أكد الدكتور عبد القادر سلينم مدير عام الدعوه بمديريه الأوقاف بكفرالشيخ، بعد الحمد لله تعالى رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير الصادق الوعد الأمين،وعلى آله وصحبه حق قدره مقداره العظيم،فإن الله عز وجل شرَع العبادات والطاعات لأجل تزكيةِ النفس وطهارتها، كلما ازداد المؤمن في الطاعات كان أكثر صلاحًا وتقربًا إلى الله عز وجل، وكلما ازداد في المعاصي كان أغلط قلبًا، وموسم الطاعات والعبادات يأتي من حين لآخر، فما إن ينتهي رمضان، حتى يحل بنا شهرُ شوال، وهو أيضًا شهر مبارك، وهو شهر طاعة، فهو بداية أشهر الحج، وفيه صيام الست، فعلى المسلم أن يصوم ستة أيام من هذا الشهر؛ نظرًا لأهمية هذا الصيام الثابثة بالأحاديث الصحيحة الواردة فيه، ولذا يُشرَع للمسلم صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان، فهو سنة مستحبَّة غير واجبة، فضلها عظيم وأجرها جسيم.
أضاف أما عن فضل صيام الست من شوال:
صيام الست من شوال بعد رمضان فرصة غالية يستغلها المؤمن، ويقف الصائم على أعتاب طاعة أخرى بعد أن فرغ من صيام رمضان، وقد حرَّض النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته على صيام الست، وحثَّهم بأسلوب يرغِّبهم، ويشوِّقهم إلى الاهتمام بهذا الصيام؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر”، وأهم فضائل صيام الست من شوال:
أولا: يام الست تجبر نقصان صيام رمضان، وعلامة على قبوله، فصيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقصٍ، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة، وأكثر الناس في صيامهم للفرض نقصٌ وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره من الأعمال؛ لذا فإن صيام الست من شوال يجبر ما يطرأ من خلل ونقص في صيام رمضان؛ كما ورد في الحديث النبوي الشريف: “إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلَح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسِر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيُكمَّل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك” . سنن الترمذي.
أشار الدكتور عبدالقادر سليم، أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبَّل عمل عبد، وفَّقه لعمل صالح بعده؛ كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمِل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة، كان ذلك علامة ردِّ الحسنة وعدم قبولها، وأن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدَّم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يوفَّون أجورهم في يوم الفطر، وهو يوم الجوائز، فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرًا لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب، كان النبي يقوم حتى تتورَّم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفَر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر؟! فيقول: (أفلا أكون عبدًا شكورًا) .
أشار، يجب علينا أولا وأخيرا، الشكر على الإنعام بصوم رمضان، فقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشُكر نِعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره، فقال: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، وصيام الأيام الست هو من جملة الأعمال الصالحة بعد صيام رمضان، والإعانة عليه، فالأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان، بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيًّا، وكان عمل النبي ديمةً؛ فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: كيفَ كانَ عَمَلُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، هلْ كانَ يَخُصُّ شيئًا مِنَ الأيَّامِ؟ قالَتْ: لَا، كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً. رواه البخاري، وإن الصيام الست من شوال هو دليل على شكر الصائم لربه عز وجل على توفيقه بطاعة ربه في رمضان، وزيادة في الخير؛ ودليل على حب العبد لطاعات الرب، ورغبته في المواصلة في طريق الأعمال الصالحات.
عقب, أما عن أحكام صيام الست من شوال:
، فله فضل وأهمية كبيره، فقد بيَّن الترمذي الأحكام بعد ذكر الحديث في أهمية صيام الست من شوال: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، فذلك صيام الدهر”.
فقال الترمذي: “وقد استحبَّ قوم صيام ستة أيام من شوال بهذا الحديث”. رواه الترمذي في سننه، وقال ابن المبارك: “هو حسن، هو مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر”، واختار ابن المبارك أن تكون ستة أيام في أول الشهر”، وقد روِي عن ابن المبارك أنه قال: “إن صام ستة أيام من شوال متفرقًا، فهو جائز”. سنن الترمذي.
ويذكر الإمام الترمذي قول الإمام الحسن البصري في أهمية صيام رمضان: “عن الحسن البصري قال: كان إذا ذُكر عنده صيام ستة أيام من شوال، فيقول: “والله لقد رضِي الله بصيام هذا الشهر عن السنة كلها”. سنن الترمذي، وهل هذا الصيام متتابع أم متفرق؟
، فيجوز صيام الست من شوال متتابعة أو متفرقة في شهر شوال، حسب ما تيسَّر له، وإن أخَّرَها فلا بأس به، خصوصًا لمن ينزل لديه ضيوف، أو يجتمع بأقاربه في العيد وبعده، والأمر في ذلك متسع، وكذلك يجوز الجمع في النيَّة بين صيام أيام البيض والاثنين والخميس، مع صيام الست من شوال، ويرجى له حصول الأجرين بمشيئة الله تعالى،
ويقول الإمام النووي مبينًا الأمر في هذا الصدد: قوله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر” – فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الست، وقال مالك وأبو حنيفة: يُكره ذلك؛ قال مالك في الموطأ: “ما رأيتُ أحدًا من أهل العلم يصومها”. شرح النووي على مسلم.
قالوا: فيكره؛ لئلا يُظَنُّ وجوبُه، ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبتت السنة لا تُترك لترْك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها، وقولهم: قد يُظَنُّ، يُنتقَض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب؛ قال أصحابنا: والأفضل أن تصام الست متوالية عقب يوم الفطر؛ فإن فرَّقها أو أخَّرها عن أوائل شوال إلى أواخره، حصَلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يصدق أنه أتبعه ستًّا من شوال، قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والست بشهرين.
يقول ملا علي القاري مبينًا معنى الحديث في ضوء قول الطيبي رحمه الله: “لأنه صيام الدهر حكمًا بناءً على أن الحسنة بعشر أمثالها، كما بيَّنه خبر النسائي بسند حسن: صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة”. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح.
وفي الختام تبين لنا من الأحاديث النبوية والآثار، وأقوال العلماء المتعلقة بمسألة صيام ست من شوال أن أفضلية صيام الست من شوال ثابتة، وهي مستحبة للآثار الصحيحة الواردة في ذلك، وذلك بعد أن يفصل بينها وبين رمضان بإفطار يوم العيد، وإذا كانت متتابعة أو متفرقة، جاز ذلك، وتحصَّلت الفضيلة، نسأل الله تعالى أن يعيننا على الصيام والقيام وقراءة القرآن وأن يحفظ مصر قيادة وشعبا وأن يجعلها في أمانه وضمانه واحة للأمن والأمان والاستقرار.