»»بقلم ✍️ د.رحاب جاد
(دكتوراة فلسفة العلم والتكنولوجيا – كلية الآداب جامعة المنصورة)
إن “فلسفة التنمية البشرية” .. هى نهج شامل يهدف إلى تحسين وتطوير الأفراد وتعزيز قُدراتهم وإمكانياتهم الشخصية والمهنية. وتُركز هذه الفلسفة على إيمانها بأن الأفراد لديهم قُدرات وإمكانيات هائلة للتطوير والتعليم والتنمية الذاتية، لذلك يُمكن لأفراد المُجتمع أن يحققوا تحقيقاً أكبر لذاتهم، ويكتسبوا رضا وسعادة أكثر فى حياتهم حينما يقوموا بالتعليم والتطوير من ذاتهم.
أيضاً تعتمد فلسفة التنمية البشرية على مجموعة من المبادئ والأفكار الأساسية وأبرزها :
-قُـدرات الإنسان: تعتبر فلسفة التنمية البشرية أن الأفراد يمتلكون قُدرات وإمكانيات غير محدودة، وأنه يُمكنهم تطويرها وإستثمارها لتحقيق النجاح والتحسين الشخصي.
-التعلم المُستمر: تُشجع فلسفة التنمية البشرية على الإستمرار في التعلم والنمو الشخصي، سواء من خلال القراءة والدراسة أو من خلال التجارب والتحديات التي يواجهها الفرد في حياته.
-الوعي الذاتي: تُعزز هذه الفلسفة أهمية الوعي الذاتي، أي القدرة على فهم الذات والتعرف على القيم والمهارات الشخصية والمميزات ونقاط القوة ونقاط الضعف، والعمل على تحسين النواحي التي يرغب الفرد في تطويرها.
-السعادة والرضا: تُركز فلسفة التنمية البشرية على تحقيق السعادة والرضا الشخصي، وتعتبر أن النجاح الحقيقي يكمن في الشعور بالرضا والتوازن في جميع جوانب الحياة.
ومن هنا، يمتد نطاق فلسفة التنمية البشرية ليشمل العديد من المجالات مثل: التطوير الشخصي، والقيادة، والتعليم، والتنمية المهنية، وإدارة الوقت، والتوازن بين العمل والحياة.
وعليه جاء تعريف الأُمَم المُتحدة لمفهوم التنمية البشرية كالآتى :
“التنمية البشريّة” بأنّها العمليّة التي توسّع خيارات الإفراد فى المُجتمع، وذلك عن طريق توسعة القدرات البشريّة للأمم في كافة مستويات التنمية، والقُدرات التي يحتاجها الإنسان لتنميته .
وأيضاً عرفتها بأنها: تطوير المعرفة اللازمة لتحقيق إمكانياته الكاملة، وتحسين جودة حياته.
كما ترتكز أيضاً على أن فكرة أن الإنسان يمتلك إمكانيات غير مُستغلة يمُكن تطويرها من خلال التعليم والتدريب والنمو الشخصي .
كما كانت للحروب العالمية والآثار المُدمرة دور أساسي في ظهور مفهوم التنمية البشرية، التي ساعدت فى إعادة تنمية المُجتمع والتنمية الإدارية والثقافية والسياسية فى العالم أجمع.
ومن هنا يتضح أن مفهوم “التنمية البشرية” يقوم على أن البشر هم الثروة الحقيقية للأمم. حيث أنها لا تنتهى عند تحسين وتطوير القُدرات البشرية: كـتحسين الصحة، وتطوير المعرفة والمهارات، بل تعتمد إلى أبعد من ذلك من حيث الإنتفاع بها سواء في مجال العمل وتطويره، وإيجاد فُرص عمل مُميزة وأيضاً فى الحياة الإجتماعية، والإبداع فى شتى مجالات الحياة .
ومن ثم فإن لفلسفة التنمية البشرية أهداف واضحة وأهمية كبري فى حياتنا المُجتمعية، العلمية والعملية.
أولاً : تنمية المعرفة والمهارات المُكتسبة؛ وذلك من خلال تدريب الأفراد مهنياً، ومُساعدتهم على إكتساب بعضٍ من مهارات العمل الضروريّة.
ثانياً : العيش في بيئةٍ صحيّة ؛ ويتحقّق ذلك بتقديم خدمات صحيّة أساسية يحتاجها أفراد المُجتمع والرعاية المُختصّة بكلّ مرحلة من مراحل حياة الإنسان العُمريّة.
ثالثاً : توفير المُستوى الجيد اللائق من المعيشة للإنسان؛ عن طريق تقديم خدمات الحماية الإجتماعيّة لأفراد المُجتمع .
رابعاً : تحسين مُستوى آداء الفرد، فإذا كان الفرد جديداً في عملٍ ما، يتمّ تدريبه على إتقان عمله وكيفيّة إنجازه بكفاءة، أمّا إذا كان الفرد من الأشخاص الذين لديهم خبرةُ في العمل، فتتمّ تنمية ما لديه من خبرات.
خامساً : النموّ والإرتقاء الشخصيّ، الذي يتمثل بتحسين ثقة الفرد بنفسه، وشعورهِ بكفاءته الذاتيّة، وتحسين صورته عن ذاته .
سادساً : تحسين المُستوى الإجتماعيّ، ممّا يضمن للأفراد فُرصاً أفضل للعمل، وكسب أُجور أعلى، والشعور بأهميّتهم في المُجتمع.
ومن خلال ماسبق ، نصل إلى الأهمية الكبري للتنمية البشرية ،وذلك بسبب أنّ الأفراد عند إلتحاقهم بعملٍ جديد، يكونون بحاجة إلى دورات تدريبيّة خاصة؛ للقيام بمهامّ الوظائف الجديدة، وذلك لأنّ الوظائف والأعمال في تغير مُستمرّ، وبعض الأفراد ينتقلون من عملٍ إلى آخر، فلا يؤدّون عملاً واحداً، لذلك يكون من الضروري إعادة تدريبهم على الأعمال والوظائف التي يُشغلونها حالياً.
كما أنّ وجود التطور التكنولوجي وتقدمه، وما يترتب عليه من أمورٍ مُستحدثة كإدخال وظائف جديدة إلى سوق العمل، وإلغاء وظائف أخرى لتتناسب مع التكنولوجيا الحاصلة، كما يستدعي تنمية الأفراد وتدريبهم وإعدادهم لذلك الأمر. وإنشاء صناعات ومجالات جديدة لم تكن موجوده من قبل، وهذا يتطلّب من أصحاب هذه المؤسسات تدريب العاملين على مهاراتٍ مُعينة، لتتناسب قُدراتهم مع العمل الجديد، وحتى لو كان هؤلاء الأفراد ذوي مهارةٍ وكفاءةٍ عاليتين، فإنّهم بحاجةٍ إلى تدريبٍ خاصّ على تلك الأعمال.
من ثم، فإن “التنمية البشرية” ليست مُهمة فقط فى تدريب وتطوير الأفراد من أجل الحصول على وظيفة مُناسبة لديهم أو تنمية مهاراتهم وثقلها داخل العمل، ولكن “التنمية البشرية” مُهمة أيضاً من الناحية الإدارية فى العمل وذلك من خلال تخفيف العبء عن المُشرفين؛ فى عمليّة الإشراف والمُتابعة، لأنها تحتاج إلى وقتٍ كبير، بينما بوجود كوادر مُدرَّبة وذات مهارة عالية، تُصبح العمليّة أسهل، وتوفر وقت أقلّ.
وبتدريب الموارد البشريّة وتنميتها يُمكن العمل على المبدأ الذي يقول:
“الرجل المُناسب في المكان المُناسب”، حيث يتمّ تطبيق هذا المبدأ بعد إكتشاف الكفاءات والمهارات لدى كل فرد في العمل.
وأخيراَ وليس آخراَ ، فإن “فلسفة التنمية البشرية” ، أصبحت من الأمور الأساسية التى تعتمد عليها أغلب المُجتمعات المُتطورة بهدف زيادة القُدرات العقلية والتعليمية والخبرات العملية لأفراد المُجتمع لتطويرهم، وتشجيعهم على العمل المُتواصل بكُل جُهد ومحبة بعيداً عن الشعور بالكسل أو العجز.
نقطة ومن أول السطر.