من مضيق التجربة إلى ساحة البطحاء ، هل يتحول حلم وصول نهر “الكاسافا” الاستوائية على مساحات شاسعة في قلب الصحراء ، تحمل الخير والنماء وسط تحديات كبيرة وتطلعات ضمن جهود الدولة المصرية نحو التعمير ودعم روافد التنمية لسد الفجوة الغذائية وتحقيق الاكتفاء ، لسان حال المزراعين حول ماهية التيسيرات اللازمة لنجاح توطين الشريك الاستراتيجي الأفضل لانتاج دقيق خالى من الجلوتين يطلق عليه محصول القرن الواحد والعشرين بالوادى الجديد.
البداية من قلب الصحراء على مساحة فدان..
في قلب الصحراء، حيث تشرق الشمس على رمال ومنحدرات وسلسلة وديان تحيط بالوادى كحصن امان من براثن الطبيعة وهجمات الإنسان تنبثق حكاية نبات غريب لم تعرفه أرض مصر والصحراء الجنوبية من قبل يطلق عليه “الكاسافا” تلك الشجرة المعمرة صاحبة الجذور الممتدة على اعماق متغايرة أسفل التربة فى صورة درنات تشبه البطاطا وتخلو من الجلوتين لمرضي الحساسية والسكر والتى يمكن تسميتها أيضا بمصنع إنتاج الدقيق أحد الامال العريضة لتحقيق الأمن الغذائي، وفتح آفاقاً جديدة للزراعة المستدامة في بيئة قاسية تفتقر إلى الموارد المائية بالوادى الجديد.
شهادة ميلاد محصول العام ونتائج مبهرة لانتاج الدقيق الخام..
“المساء” تابعت شهادة ميلاد نبات ” الكاسافا” في الوادي الجديد بخطواتٍ تدفعها رياح التغيير نحو ايجاد الشريك الاستراتيجي لمحصول القمح الرئيسي ، حيث سعى العلماء وخبراء الزراعة إلى اختبار إمكانية زراعته في هذه الظروف المناخية الاستثنائية تحت وطأة الطقس الحار والتربة الساخنة ، حيث تناغمت إرادة الإنسان مع صبر الطبيعة، فخرجت النتائج مبشرة تؤكد امكانية نجاح أول نبات غير مستهلك للمياه والاسمدة يحمل تطلعات مستقبل الزراعة في مصر لتحقيق الاكتفاء من الدقيق وتأمين الغذاء لملايين المواطنين .
صاحب أول مشروع لزراعة الكاسافا يروى سر نجاح التجربة بالخارجة
يقول المهندس محمد جاد الكريم مستشار المحافظ لتوطين صناعة الحرير ، مدير شركة سندس لاستصلاح الأراضي والتنمية الزراعية ، أن نبات الكاسافا، يعد بمثابة كنزاً غذائياً غنياً بالنشويات والفيتامينات والمعادن، كما يتميز بقدرته على النمو في الأراضي الرملية وقلة احتياجه للماء، مما يجعله خياراً مثالياً لتعزيز الزراعة في المناطق الجافة وشبه الجافة ، مضيفا بأن فوائد نبات الكسافا، لا تقتصر على قيمته الغذائية فحسب، بل امتدت لتشمل المجالات الاقتصادية أيضًا، حيث يُمكن الاستفادة من نبات “الكاسافا” في إنتاج العديد من المنتجات الغذائية والصناعية، مثل الدقيق الخالي من الجلوتين، ونشا التابيوكا، والرقائق، وصناعات أخرى متنوعة.
اوضح الكريم ، ان زراعة نبات الكاسافا، في الوادي الجديد خطوة هامة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وخلق فرص عمل جديدة للشباب، وتعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة ، لافتا إلى انه لا تزال تجربة زراعة نبات الكسافا، في مهدها ، وان الفترة المقبلة تتطلب المزيد من الدراسات والبحوث لتطوير تقنيات الزراعة وتصنيع المنتجات، وتعزيز الوعي لدى المزارعين بأهمية هذا المحصول الواعد.
مزيد من التيسيرات لدعم مبادرة تعميم النبات ..
يرى مستشار الحرير ، أن محافظة الوادى الجديد بما تمتلك من مقومات البيئة الطبيعية من مناخ صحراوى وتربة طينية ملائمة لمثل هذه الزراعات الغير تقليدية تستطيع أن تتصدر قائمة المناطق الأكثر انتاجا وتعزيزا للاستثمار نحو التصدير وتوفير العملة الصعبة في مصر ، وأن مشروع “الكاسافا” قد يكون بمثابة منصة اطلاق قوى الانتاج والعمل على ترسيخ خريطة التوطين ولاسيما بالتزامن مع مزيد من الاهتمام والتبنى ومنح التيسيرات الداعمة لنشر ثقافة التوسع فى زراعتها لجذب المستثمرين والتحول لبناء جسر التواصل البناء مع جميع المزارعين ضمن جهود الدولة لمواصلة مسيرة الاصلاح الاقتصادي.
قادرة على سد الفجوة الغذائية .. وتوطينها خطوة ايجابية
وقال الدكتور يوسف دياب بمركز بحوث النخيل ، أن الكاسافا تصلح بنسبة 65% للاستهلاك الآدمي، و21 % لتغذية الحيوان، كما تستخدم بنسبة 14% منها في صناعة النشا، حيث تحتوي جذورها على حوالي 25-30% نشا، أي ثلاثة أضعاف النشا الموجود في البطاطس، وهو يستعمل في أغراض صناعية كـإنتاج البسكويت والحلوى والفواكه المعلبة والمربى، كما يستخرج منها دقيق الكسافا الذي يمكن خلطه بدقيق القمح، بنسبة 10% إلى 20% لصناعة الخبز، كما تستخدم درنات الكسافا في صناعة رقائق الشيبسي، وهي أكثر قيمة غذائية واقتصادية من درنات البطاطس، ما يجعلها قادرة على تحقيق الأمن الغذائي وسد الفجوة الغذائية في مصر بصورة جزئية، لافتا إلى أهميتها كمصدر هام لإنتاج الوقود الحيوي (الإيثانول) النظيف الخالي من ثاني أكسيد الكربون، مما قد يحد من الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة.
اضاف دياب ، أن هناك الكثير من المزايا الأخرى التى تتمتع بها شجرة الكاسافا المعمرة منها صناعة الأغذية، لكونها غنية بالنشويات، حيث يصنع منها الدقيق والنشا، وتمتاز بخلوها من الجلوتين، ما يجعلها مثالية لمرضى الحساسية الغذائية والسيلياك، ومن يتبعون حمية خالية من الغلوتين كـمرضى الفيبروميالجيا والتوحد ، مشيرا إلى أن الصناعات الغذائية المتعلقة بالكاسافا عرفت طريقها إلى مصر منذ سنوات، وهي تحمل مواصفة قياسية وتختص بالاشتراطات الأساسية والمعايير الوصفية للأنواع التجارية من الكاسافا الحلوة (الجذور) من جنس (Manihot esculenta crantz) التابع لعائلة (Euphorbiaceae)، التي تقدم طازجة للمستهلك بعد التجهيز والتعبئة.
وفي هذا السياق أفاد د. محمد عزت ، نائب رئيس مركز بحوث الصحراء للمشروعات والمحطات البحثية ، بأن الكاسافا يعتبر محصول غير تقليدى من الممكن أن يلعب دورا هاما في توفير الأمن الغذائي فى مصر فى ظل التغيرات المناخية الحالية، وبالتالي يمكن زراعته بالأراضي المستصلحة والهامشية بحيث لا ينافس القمح كمحصول غذائي إستراتيجى.
وقال د. أحمد جمال ، رئيس البرنامج البحثي ، إن البرنامج تناول الإهتمام بهذا المحصول من عدة إتجاهات وهي: توفير الشتلات وزراعتها، وعقد ندوات إرشادية للتعريف بالمحصول واحتياجاته البيئية والسمادية المختلفة، كما تناول عملية الإكثار سواء الخضرى بالعقلة أو من خلال زراعة الأنسجة للوصول إلي أفضل الطرق التي تضمن الحصول علي أعلي إنتاجية ممكنة وأعلي صفات جودة للدقيق المستخرج والمنتجات الثانوية الآخري والتي من أهمها النشا ومن جانبه أوضح د/ هشام الشرقاوي نائب رئيس البرنامج وخبير اقلمة الشتلات بمتابعة العمل على انتاج العقل للموسم الجديد وتعريف المزارعين بالبرنامج التسميدي لها.
وصرح الدكتور محمد حمدي عمار المشرف الفني على المحطات البحثية واستشاري البرنامج البحثى أنه تم اختيار موقع ارشادى العام الماضى لدى احد شباب المستثمرين المهندس محمد جاد المدير التنفيذي لشركة سندس لاستصلاح الأراضي الصحراوية والذى ابدى استعداده للتوسع في زراعة الكسافا كاحد المحاصيل الواعدة والتى تلائم طبيعة ومناخ محافظة الوادى الجديد حيث ابدى سعادته بعد نجاح النتائج المبشرة للزراعة خلال الموسم الحالى حيث يؤكد على ضرورة التوسع في زراعته ونقل خبرتة التى اكتسبها ميدانيا لباقي المزارعين بالمحافظة للتوسع فى زراعة الكاسافا مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالمحافظة لزراعة محاصيل غير تقليدية تساهم فى سد الفجوة العذئية.
وفى ذات السياق ، أكد الدكتور/ حسام شومان مدير مركز التنمية المستدامة لموارد الوادي الجديد ، بأن المركز يحرص دوما على تقديم نماذج بحثية تطبيقية لزراعة محاصيل غير تقليدية كالكاسافا علاوة على الوقوف على أهم التوصيات العلمية السليمة من ري وتسميد وعمليات خدمة لتشجيعهم في الإقبال على زراعة هذا المحصول الواعد وتحقيق أعلى إستفادة ممكنة ، مشيرا إلى اهمية دور المرأة الريفية ودمجها في محاور التنمية الزراعية من خلال التدريب العملى لعدد من السيدات ، ابرزها ما قامت به د/ اميرة شكرى مسئول التصنيع الغذائي بالبرنامج البحثي والذي تضمن الطريقة المثلى والمراحل المختلفة للحصول علي الدقيق والنشا الناتجين من نبات الكاسافا حتي يتثنى الوصول إلي أفضل نسبة للخلط وأعلي جودة ممكنة أملا في تحقيق الأمن الغذائي ، لافتا إلى ترحيب رئيس مجلس إداره شركة طيبة للمنتجات الغذائية الخالية من الجلوتين بالتعاون في تسويق منتجات الكاسافا على المستوى المحلي والتصديري إيمانا بدور جميع الأطراف في المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي لخدمة بلدنا الحبيب مصر.
من جانبه ، يرى مجد المرسي وكيل وزارة الزراعة بالمحافظة ، أن مصر بيئة مناسبة لتوطين الكاسافا، التي تنمو في البيئات الحارة ، وبخاصة في محافظة الوادى الجديد حيث قدرتها على تحمل الجفاف لمدة شهرين، مشيرا إلى احتواء أوراقها على 40% بروتين، وتُفْرَم درناتها لتتحول إلى جار أبيض أو أصفر مضاف إليه زيت، يستخدم في المخبوزات، وتصنع منه عصيدة مخلوطة بالحليب، وتعصر لتستخرج منها “نشا التابيوكا” والدقيق، وتستعمل قشور درناتها بعد تجفيفها كعلف للماشية ، وتستخدم في الطاقة الخضراء وصناعة الأكواب الورقية، موضحًا أن طريقة الزراعة تكون بغرس سيقان الكاسافا في التربة، ويعد التوقيت الأمثل لذلك في شهر أبريل، ويُحْصَد في ديسمبر، ويتراوح إنتاجها بين خمسة إلى 40 طنًّا للفدان، حسب كفاءة الأرض.
اوضح أن الكاسافا أو كما يطلق عليها البَفرة، عشبة معمرة شجرة معمرة غير مستهلكة للمياه والاسمدة وموطنها الأصلي أمريكا الجنوبية، وذات جدوى اقتصادية تدخل في كثير من الصناعات الغذائية، وهي مصدر رئيسي للسكريات، وثالث أكبر مصدر الكربوهيدرات والسعرات الحرارية في العالم، وتعتبر أفريقيا أكبر مركز إنتاج لها ، حيث توقعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO” بأن يكون هذا النبات هو محصول القرن الحادي والعشرين في ظل الارتفاع الكبير في أسعار الحبوب خاصة القمح، وإمكانية تحويله لدقيق عال الجودة.
ورغم الفوائد الصحية للكسافا، كـامتصاص السموم من الأمعاء، والوقاية من السرطان، وعلاج الإسهال، وتنشيط عملية الهضم، وتنظيم مستوى السكر، إضافة لاحتوائها على الألياف الغذائية وقليل من الفيتامينات والمعادن، إلاّ أن أستاذ كيمياء النبات، تُحذّر من احتوائها على بعض المركبات التي تمنع امتصاص الفيتامينات والمعادن، وتتعارض مع عملية الهضم، كـ “الصابونينات والتانينات”، مشددة على ضرورة إزالة القشرة الخارجية للكاسافا، ثم نقعها في الماء لمدة يومين، قبل طهيها وتناولها.
تجدر الاشارة إلى أن مبادرة زراعة “الكاسافا” تأتى فى إطار تعليمات السيد القصير وزير الزراعة وإستصلاح الأراضي لزراعة محاصيل غير تقليدية تساهم فى سد الفجوة من احتياجات الدقيق، وتحت توجيهات الدكتور/حسام شوقى- رئيس مركز بحوث الصحراء حيث تم تنفيذ برنامج بحثى متخصص للوقوف على مدى نجاح زراعة الكسافا بمصرتحت عنوان: “التنمية المستدامة لمحصول الكسافا الغير تقليدي كشريك يضاف للمحاصيل الاستراتيجية مثل (القمح) بإستخدام التكنولوجية الحديثة تحت ظروف الوادي الجديد ” حيث أشارت النتائج التطبيقية بعد عامين من العمل نجاج زراعة الكسافا والذي أطلق عليه محصول القرن الواحد والعشرين بسبب القدرة العالية علي تحمل الحرارة العالية فضلا عن كونه ذو إحتياجات سمادية منخفضة مما يجعله جذاباً لدى المزارعين والمستثمرين .