»» بقلم ✍️ د.سليمان عباس البياضي
“عضو اتحاد المؤرخين العرب”
هو أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني هو ثالث الثلاثة – ابن سينا وابن الهيثم – الذي ازدهت بهم الحضارة الإسلامية في الحقبة من منتصف القرن الرابع إلى منتصف القرن الخامس الهجري – أصله من فارس، ومونده “بیرون” عاصة خوارزم (الترکستان)، ولم يقتصر علمه على الفلك، والرياضيات والطب، بل تناول الآداب، والجغرافيا، والتاريخ – واختص في الفن الأخير بتدوين أخبار الأمم الشرقية عامة، والأمة الهندية بصفة خاصة.
وهو أعظم عقلية علمية عرفها التاريخ ليس “أينشتاين” كما يدعي الغرب هو مسلم كان عالما في الطب والفلسفة والكيمياء والفيزياء والترجمة والتاريخ والفلك ومؤسس علم الرياضيات الفلكية وفي الصيدلة هو مؤسس علم الأدوية والعقاقير “الفارماكولوچي” وفي الجغرافيا هو مؤسس علم “الطبقات والبيولوجيا التاريخية” وهو ومؤسس علم المعادن والأوزان محدد الوزن النوعي لكثير من المعادن والجواهر والأحجار وكان مؤسسًا لعلم مقارنة الأديان ومنهج البحث العلمي التاريخي ومؤسس علم المساحة “وكان أول من قال أن الأرض تدور حول محورها قبل 1000 سنة” وبدون أي وسائل حديثة عرف مقياس محيط الأرض بدقة 99,7 ٪ عن قياسات اليوم، ابتكر طريقة رسم الخرائط التي توضح التضاريس المختلفة على الكرة الأرضية، أول من اكتشف أن سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت، ابتكر سبع طرق لتحديد اتجاه الشمال والجنوب، واكتشف نظامًا رياضيًا لتحديد بداية الفصول، ألّف أكثر من 120 كتابا في جميع العلوم، عرَّفه “جورج سارتون” في كتابه (مقدمة لدراسة تاريخ العلم) بقوله عنه: “كان رحّالة وفيلسوفا، ورياضيّا، وفلكيا، وجغرافيّا، وعالما موسوعيّا، ومن أكبر عظماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالم” وصفه المستشرق الألماني “سخاو” قائلاً : “إنه أعظم عقلية عرفها التاريخ”.
ويعتبر البيروني من علماء الرياضة الذين وضعوا أسس حساب المثلثات وكان عالما بالجغرافيا، وقد قال المستشرق “سخاو” عنه “أن البيروني أعظم عقلية عرفها التاريخ، فله المام شامل بالمعارف، وتضلع في الرياضيات والتاريخ”.
عاش في خوارزم حتى الثالثة والعشرين من عمره، ثم هاجر إلى جرجان واستقر هناك خمسة عشر عامًا ألف خلالها كتابه الشهير: “الآثار الباقية عن القرون الخالية” ثم عاد إلى بلده خوارزم، وعندما احتلها السلطان محمود الغزنوي، انتقل إلى بلاط الغزنويين، وكثيراً ما صاحب السلطان مسعود الغزنوي في غزواته إلى شمال الهند، وهناك تعلم لغة الهند، (اللغة السنكرتيه (Sanskrit الأمر الذي مكنه من تأليف كتب عن تاريخ الهند، جمع فيها معلومات جمة عن علوم الهند وآدابها، فكان من أوسع علماء المسلمين اطلاعًا على تاريخ الهند ومعارفها .
ومن مؤلفاته التي سبقت الإشارة إليها كتابه “تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل، أو مرذولة ” – وكتابه الموسوعة الفلكية الذي اسماه “القانون المسعودي” في الفلك والنجوم، الذي يحتوي على 143 باباً، مبنية على البحث والتجربة الشخصية التي توصل إليها بعمله المستمر، واطلاعه المتواصل، وقد أهدى هذا الكتاب للسلطان مسعود.
والبيروني عالم ذو معرفة واسعة وشاملة، فهو فيلسوف، ومؤرخ، ورحالة، وجفران ولغوي، وشاعر، وفلكي، وعالم في الرياضيات والطبيعيات وقد عرف بالإيجاز في كتبه، وبأسلوبه المقنع المعزز بالبراهين الموضوعية وقد اتصف بروح علمية عالية، فنهج منهج التجربة والقياسي أبحاثه، ولم يأخذ من أحكام الأولين إلا ما وافق الواقع التجريبي، ولم بتردد أبدأ في الإشادة بإنجازات غيره من العلماء، ودعا إلى أخذ العلم من أي مصدر، أو اللغة، أو عن أي شعب، وتميزت أبحاثه بالمقارنة النقدية، وتحري الحقيقة العلمية، كما كان يرى أن التعصب عند الكتاب هو الذي يحول دون تقربهم للحقيقة، وهو يؤمن بإنسانية العلم، وبالوحدة الشاملة التي يؤدي إليها العلم، فيوحد بين العقول، ويزيل التنافر بينها ويقرب بعضها من بعض، ويدعو إلى التفاهم على أساس المنطق والحقيقة، وله مؤلفات كثيرة يقال أنها بلغت أكثر من مائة وعشرين كتابًا ورسالة، وقد نقل بعضها إلى اللاتينية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية وأفاد منها الغربيون.
وفي مجال علم الفلك برهن البيروني حقائق علمية عن الأرض، ونسبتها للقمر، وأن الشمس هي مركز الكون الأرضي، وبعد الشمس عن القمر، وابعاد المجموعة الشمسية عن الأرض وناقش كروية الأرض، وقال أنها تتحرك حول محورها مخالف بذلك الآراء الخاطئة التي كانت سائدة قبله ومؤداها أن الشمس تدور حول الأرض. والبيروني ليس عالم رياضيًا فحسب، بل هو عالم فيزيائي أيضًا، وهو بلا شك أول من فكر في علم الجاذبية – قبل أن يفكر فيها “نيوتن” – وقد أجرى التجارب لتحديد الوزن للمواد السائلة، وتمكن من قياس الوزن النوعي لثمانية عشر عنصرة ومركبة، وبلغت قياساته تلك درجة كبيرة من الدقة، والبيروني عالم موسوعي المعرفة، اتصف بسعة الاطلاع، وحب القراءة والتأليف، وكان يسلك في دراساته وأبحاثه طريقة علمية بحتة، تتبين فيها دقة ملاحظاته، وفكره المنظم، معتمدة في آرائه على البراهين التجريبية، والحجج المنطقية، وكان البيروني عالمًا يميل إلى النقد البناء، وتوخى الحرية والشجاعة في إبداء آرائه وقد عرف بميله الشديد إلى الوصول إلى الحقيقة وكانت معرفته بأخبار الشعوب الشرقية والغربية كبيرة على غير حال معاصريه.
وفي النهاية هناك موقف رائع للبيروني أن سلطان مسعود الغزنوي قد أرسل إلى البيروني ثلاثة جمال محملة بالفضة مكافأة له على كتابة “قانون المسعودي” وقد رفض البيروني الهدية قائلاً “إنما يخدم العلم للعلم وليس للمال”.