تأملت قول صديقي الناقد والأستاذ الجامعي اللبناني عبد المجيد زراقط: أنا عائد من زيارة إلى جامع الحسين، وجامع السيدة زينب. ظننت – لشدة الزحام – أن البيوت خلت من سكانها.
كنت أتصور حب آل البيت ظاهرة طبيعية في امتداد العالم الإسلامى: أليسوا نسل الرسول العظيم، والحفظة علي تعاليمه ومبادئه وسننه، والمعنيين بالآية الكريمة: ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا” ؟
ثم أتيح لي زيارة العديد من الأقطار الإسلامية، فإذا حب آل البيت قضية تشهد أقصى التأييد، وأقصى التحفظ – لا أقول المعارضة، ذلك لأن مبعث التحفظ في الحقيقة، هو المغالاة في حب آل البيت، من قبل بعض طوائف الشيعة، مما تراه بعض المذاهب السنية خروجًا علي تعاليم الإسلام، ونقضًا لمبادئه.. وتباين الآراء بين السنة والشيعة، يصل – أحيانًا – إلي حد التكفير، وإلي حد تشويه الرواد الأول في مسيرة الدين الإسلامى..
ثم توضحت تفصيلات ” القضية”، حين عدت إلي مراجع، أستعين بها في تلمس الأرضية التاريخية لروايتى ” إمام آ\خر الزمان” ، والتى تنهض علي حادثة اختفاء المهدى – آخر الأئمة الأثنى عشر – وظهوره.
راجت فى العام 1147 هـ [ 1735 م ] شائعة بأن يوم البعث سيكون هو الجمعة السادس والعشرين من ذى الحجة. وراح الناس يودعون بعضهم البعض، ويهيمون على وجوههم خارج البيوت. وأتى السادس من ذى الحجة، ومضى، دون أن تتحقق الشائعة. وتناقل الناس حكاية – مجهولة المصدر – تؤكد أن آل البيت السيدة زينب والشهيد الحسين والسيجة نفيسة وزين العابدين والسيدة سكينة والسيدة فاطمة تانبوية وأولياء الله السيد البدوى وإبراهيم الدسوقى والإمام الشافعى، قد تشفعوا للناس عند الله، فقبل تأجيل القيامة.
الظاهرة التى تقتصر – أو تكاد- علي الحياة الدينية المصرية، هي التوافق التام بين انتماء الغالبية العظمى من أبناء مصر إلي السنة، وحبهم المتحمس في الوقت ذاته- لآل البيت. وهي ظاهرة – كما قلت- تغيب عن معظم الأقطار الإسلامية،
لعل النقيض هو الواقع الذى تحياه تلك الأقطار: فالشيعة في إيران والبحرين والعراق، وغيرها من الأقطار التى تضم أغلبية شيعية، يضعون إطارًا محددًا حول السلالة المحمدية، فلا يتصورون داخله شخصية أخرى، مهما سما قدرها.
السنة- في أقطار أخرى تدين بمذاهب سنية- يأخذون علي الشيعة معايب كثيرة، ويحرّمون الكثير مما يمارسه الشيعة في شعائرهم الدينية.
ثمة اجتهادات أخرى – الخوارج مثلًا – ترفض في الشيعة بعض ما تؤمن به, وترفض في السنة بعض ما تؤمن به، وتأخذ طريقًا مغايرة لذلك كله.
في مصر، غالباً ما يؤدى القادمون من المدن الإقليمية الصلاة فى جامع الحسين، أو جامع السيدة زينب.
زيارة أضرحة آل البت وأولياء الله وقبورهم لا تستهدف مجرد الزيارة، أو حتى الدعاء لهم، أو الوفاء بنذر، لكنها تمتد فتشمل الشكوى من ضائقة، أو الاستغاثة من مكروه، أو الحصول على بركة. تقول المرأة : ” عندما تضيق بك الحياة زر أهل البيت. زر أولياء الله الصالحين. وصلّ ركعتين فى كل مسجد، وتوجه إلى الله فى الساحات الطاهرة، وسيزيل الله عنك الغمة “.
يقين الناس أن من دخل مقام الولى – وبالذات إن كان من آل البيت – ” وجد من الأنس بالله والروعة وترويح النفس ما ينسيه همه “.
فإذا توقع الناس ” مصيبة ” مثل وفاة مريض، أو فقد غائب، وما إلى ذلك، ثم عدم حدوث تلك المصيبة، فإن ما حدث يعلق – فى أوهام الناس – على مشجب قبول شفاعات الأولياء الذين استغاثوا بهم. حتى لو شفي المريض بعلاج الأطباء، ولو عاد الغائب لأنه لم يكن مفقودًا.
معتادو زيارة المساجد خصصوا يومًا لكل مسجد. فيوم الجمعة لزيارة الإمام الشافعى ، حيث القراء يقرءون متتابعين من العصر إلى المغرب، ويوم الأحد لزيارة السيدة زينب، وليلة الثلاثاء للحسين حيث الحضرة الكبيرة التى يؤمها وجوه الصالحين. أما ليلة الأربعاء فلزيارة السيدة فاطمة النبوية، وليلة الجمعة لزيارة المحمدى حيث يقيم السادة الدمرداشية ” المحيا ” مرددين أدعيتهم ، قارئين ما يختارونه من السور.
زيارة أولياء الله – الحسين والسيدة زينب فى الدرجة الأولى – واجبة إذا قدم المرء للقاهرة فى عملية شراء، أو لقضاء مصلحة فى وزارة. لذلك، فإن فى مقدمة وداع المسافرين إلى القاهرة: ” ما تنساش تقرا الفاتحة لأم هاشم ، أو للحسين.
القاهرة عند الكثير من أبناء الريف هى: الأزهر، والسيدة زينب والحسين والسيدة عائشة والسيدة نفيسة وفاطمة النبوية والسيدة سكينة وزين العابدين وغيرهم من الأولياء، وهى ليست شيئاً آخر قط. بعد أن يضع القادمون من الريف حقائبهم فى بيوت الأهل الذين يستضيفونهم، يبدءون حالًا رحلة تشغلهم، ويعدون أنفسهم لها قبل أن أتوا إلى القاهرة. يزورون أضرحة آل البيت وأولياء الله الصالحين، ويحرصون على الصلاة فى السيدة زينب، والتبرك بمقام الحسين. بل إن عادة الكثير من الأسر أن تنزل إلى القاهرة – مصر – كل عام لزيارة أولياء الله.
يجيب المرء عن السؤال: إلى أين تسافر؟ يقول: أزور أحباب الله، أصلهم نادونى!