# من أول السطر
في عمر الوطن محطات فارقة جسدت أسمي معاني الوطنية والفداء يستلهم منها المصريون إرادة النصر والحياة وروح الأمل، وقد كانت موقعة صمود رجال الشرطة المصرية في 25 يناير 1952 واحدة من أهم محطات ومعارك التحرير في مواجهة قوات الاحتلال الإنجليزي.
وستظل موقعة الإسماعيلية بين رجال الشرطة وقوات الإحتلال الإنجليزي ذكري لانتصار الإرادة المصرية نموذجا ملهما للصمود وشاهدا علي ما قدمه الأبطال من قوات الشرطة المصرية من تضحيات مهدت للثورة و لرحيل الاحتلال الغاشم ولعهد جديد من الحرية بعد احتلال دام أكثر من 70 عاما.
وقد أضاف الأبطال من أفراد الشرطة المصرية بإختلاف المحافظات التي ينتمون إليها رصيدا لن ينسي من صفحات الفداء والكفاح عبر دعم ومساندة الفدائيين والأحرار بمختلف محافظات القناة.
كما أنها ستظل شاهدة علي صمود ونضال أبناء مدينة الإسماعيلية في التصدي لقوات الاحتلال، ومن بعدها مساندة قواتنا المسلحة الباسلة في مختلف حروبها مع الكيان الإسرائيلي حتي تحقق نصر أكتوبر القديم..
بدأت معركة الشرطة فى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952، عندما استدعى القائد البريطاني بمنطقة القناة “البريجادير أكسهام”، ضابط الإتصال المصري، وسلمه إنذارا لتسليم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن منطقة القناة إلى القاهرة، فما كان من المحافظة إلا أن رفضت الإنذار البريطانى وابلغته إلى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية فى هذا الوقت، والذى طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.
وكانت منطقة القناة تحت سيطرة القوات البريطانية بمقتضى اتفاقية 1936 والتى كان بمقتضاها أن تنسحب القوات البريطانية إلى محافظات القناة فقط دون أى شبر فى القطر المصرى، ولجأ المصريون إلى تنفيذ هجمات فدائية ضد القوات البريطانية داخل منطقة القناة وكبدتها خسائر بشرية ومادية ومعنوية فادحة بالتنسيق مع أجهزة الدولة آنذاك.
وقد كان الفدائيون ينسقون مع رجال الشرطة لشن هجمات موجعة ومتتالية ضد القوات البريطانية، وعندما فطن البريطانيون بأن رجال الشرطة يساعدون الفدائيين قرروا خروج كافة أفراد الشرطة المصرية من مدن القناة على أن يكون فجر يوم 25 يناير 1952، وفوجئ رجال الشرطة بعد وصولهم إلى مقر عملهم فى مبنى محافظة الإسماعيلية بقوات الاحتلال البريطانى تطالب اليوزباشى “مصطفى رفعت” قائد بلوكات النظام المتواجدة بمبنى محافظة الإسماعيلية بإخلاء مبنى المحافظة خلال 5 دقائق وترك أسلحتهم بداخل المبنى وحذروهم بمهاجمة المبنى فى حالة عدم استجابتهم للتعليمات.
ووقع اشتباك مسلح حين رفضت قوات الشرطة المصرية تسليم أسلحتها وإخلاء مبنى المحافظة للقوات البريطانية، أسفر الاشتباك بين الشرطة المصرية والقوات البريطانية عن مقتل 52 شرطيا مصريا وإصابة 80 بجروح، واستولت القوات البريطانية على مبنى المحافظة.
وقد كان من بين الضباط حينئذٍ اللواء أحمد رائف والنقيب الفنان صلاح ذو الفقار “رحمه الله “.
وقد بدأت المعركة في السابعة صباحا، حيث انهالت القذائف البريطانية من المدافع والدبابات لتدك مبنى المحافظة وثكنة البلوكات التي تحصن بهما رجال الشرطة البالغ عددهم نحو 850، وتصور القائد البريطاني “إكس هام” أن القوة الغاشمة التي استخدمها ضد رجال الشرطة الذين سقط أغلبهم بين شهيد وجريح ستجبرهم على الاستسلام، فأوقف ضرب النيران، وطلب منهم الخروج من المبنى بدون أسلحتهم.
وجاءه الرد على لسان النقيب مصطفى رفعت بالرفض فاستأنفت القوات البريطانية قصفها العنيف لنحو 6 ساعات حتى حولت المبنيين إلى أنقاض، وهو ما لم يفتت عضد رجال الشرطة الذين كانوا مسلحين ببنادق قديمة من طراز “لي أنفيلد” في وجه مدافع ودبابات الاحتلال البريطاني رافضين الاستسلام، حتى نفدت ذخيرتهم بعد أن أوقعوا 13 قتيلا و12 جريحا في صفوف القوات البريطانية التي بلغ عددها نحو 7 آلاف جندي.
وعقب نفاد الذخيرة اضطر رجال الشرطة للاستسلام لكن موقفهم الباسل دفع القائد البريطاني وجنوده لأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من مبنى المحافظة؛ تقديرا لبسالتهم في الدفاع عن موقعهم.
وتعود خلفية ارتفاع حدة التوتر بين مصر وبريطانيا عندما اشتدت أعمال التخريب والأنشطة الفدائية ضد معسكراتهم وجنودهم وضباطهم في منطقة القنال إذ كانت الخسائر البريطانية نتيجة العمليات الفدائية فادحة خاصة في المراحل الأولى، كما أدى انسحاب العمال المصريين من العمل في معسكرات الإنجليز إلى وضع القوات البريطانية في منطقة القناة في حرج شديد.
وحينما أعلنت الحكومة عن فتح مكاتب لتسجيل أسماء عمال المعسكرات الراغبين في ترك عملهم والمساهمة في الكفاح الوطني سجل (91572) عاملاً أسماءهم في الفترة من 16 أكتوبر 1951 وحتى 30 من نوفمبر 1951، كما توقف المتعهدون عن توريد الخضراوات واللحوم والمستلزمات الأخرى الضرورية لإعاشة 80 ألف جندي وضابط بريطاني.
وفي صباح السبت 26 من يناير 1952انتشرت أخبار الجريمة البشعة في مصر كلها، واستقبل المصريون تلك الأنباء بالغضب والسخط، وخرجت المظاهرات العارمة في القاهرة، واشترك جنود الشرطة مع طلاب الجامعة في مظاهراتهم، مطالبين بحمل السلاح ومحاربة الإنجليز، لتكون معركة الإسماعيلية الشرارة التي أشعلت نيران تحرير مصر من الاحتلال البريطاني.
وقد تسببت هذه الأجواء الغاضبة في قيام حريق القاهرة، وفي تدهور شعبية الملك فاروق لأبعد مستوى، مما مهد لقيام الضباط بحركة 23 يوليو بقيادة اللواء محمد نجيب في نفس العام.
وتحول يوم 25 يناير إلى عيد للشرطة يحتفل به كل عام، وفي 2009 أصبح يوم 25 يناير من كل عام يوم عطلة رسمية في مصر.
وتمر الأيام وتتعاقب السنون وتبقي الملاحم البطولية والتضحيات الغالية لرجال الشرطة وقواتنا المسلحة من أبناء أرض الكنانة تاج عزة وشرف يزين رأس كل مصري، ولا ينكرها إلا من ينكر ضوء الشمس من رمد أو طعم الماء من سقم.
واستكمالا لدورهم البطولي فقد قدمت قوات الشرطة العديد من الشهداء في مكافحة الإرهاب علي أرض سيناء وفي مختلف ربوع المحروسة، وما تزال حصن وصمام الأمان لكل المصريين..
تحية حب وتقدير لكل رجال الشرطة من الوطنيين والشرفاء في عيدهم الخالد وتحية عطرة لأرواح شهداء الشرطة والجيش ولجميع شهداء الوطن.