لأن ندوة ” المساء ” – على مدى سنين طويلة – كانت مقصورة – أو تكاد – على الأجيال الطالعة من الشباب، فقد اعتدت من يهمس في أذني بكلمات مترددة : أنا .. عاوز .. أخطب .. فلانة.
وفلانة هذه هي زميلته في الندوة .
أسأله: قرارك، هل هو وليد عاطفة، أو تعقل؟ وهل تملك ما يفتح بيتًا؟ وهل شرحت لها ظروفك جيدًا؟
واحتفلنا في الندوة بزيجات كثيرة، عاش أصحابها في تبات ونبات، وأنجبوا البنين والبنات.
أذكر – على سبيل المثال – مؤمن أحمد وتحية وهبة، وعبد الناصر هلال وعواطف يونس، ومجدي الجابري وصفاء عبد المنعم، وسعيد نوح وهويدا صالح، وهشام علوان ونجلاء علام، ومحمد حسين بكر وسهى زكي، وحمدي عبد الرازق وعزة بدير، وغيرهم، وغيرهن.
على الرغم من أن رأيي – في كل الأحوال – كان أقرب إلى رأي المفتي، فسيصدر الحكم سواء أعلنت موافقتي أو منعتها، أو حتى أبديت تحفظًا.. فلعلي أفلحت في منع مشروعات زواج، لو أنها تمت ربما مثلت جرائم حقيقية !
حدثني شاب عن الأموال الهائلة، والأراضي، والعقارات التي ورثها عن أبيه, تزكي طلبه في خطبة زميلته. لما تأكد من موافقتي، ران على صوته لهفة:
– يا ريت عشرة جنيه أروح البلد علشان أبلغ أبويا!
والأمثلة كثيرة.
الواقعة التي شاركت بنفسي في صياغتها، وتجسيد ملامحها، بل إنها كانت فكرتي الخاصة، عندما بدأت الأعوام تتسرب من حياة صديقتي، لم تعد تجد حرجًا- في مساحة الصداقة بيني وبينها – في إبداء مخاوفها من أن تقضي بقية العمر عانسًا!
في مصطبتي بجريدة المساء [ ذلك هو الاسم الذي كان يطلقه أصدقائي على مكتبي في ركن الصالة ] كان يزورني صديق يعيش في مدينة إقليمية، وكان موهوبًا، ومثقفًا، وتشي محاولاته بمستقبل واعد. لاحظت أنه كان يميل إلى الكلام مع صديقتي، تأخذهما المناقشات بعفوية، حتى يحين موعد عودته إلى مدينته، فيستأذن في الانصراف .
أزمعت أمرًا كان من المستحيل أن يظل بيني وبين نفسي، فقد أشركت فيه صديقتي، باعتبارها طرفًا أصيلًا في الخطة التي أعددتها: صارحتني أنه خلاص قد استقر في قلبها. اقترحت أن تسافر إلى مدينته لإنجاز مهام تتصل بطبيعة عملها، وتتصل بصديقي قبل العودة، يطلب منها أن تؤجل سفرها – حسب الرسم! – ويلتقيان في كازينو قريب من المحطة.
تكررت الزيارات المصادفة، وتكررت اللقاءات.
طالعني صديقي – ذات صباح – في صالة ” المساء ، على وجهه إمارات، دفعتني إلى السؤال: فلانة؟
روى لي كيف أتاحت له المصادفة – المصادفة! – المتكررة أن يوثق صداقته بفلانة، وتحولت الصداقة إلى حب، ورغبة مشتركة فى الزواج!
كانت موافقتى على زيجات الندوة من باب العلم، وإنها – كما قلت لك – لا تزيد عن رأي المفتى في القضايا التى يطمئن القضاة إلى أحكامهم فيها .
أما زيجة هذين الصديقين، فقد كانت من تأليفي وإخراجي، وتركت لهما الأداء التمثيلي!
ويا بخت من وفّق رأسين في الحلال!