»» تحطيم الجدران الفاصلة ما بين الأزمنة والأماكن
معين إبداعات أدباء ومواهب أرض الكنانة، لن ينضب أبدا وتواصل منصة المساء والجمهورية أون، لاين نشر مختارات من إبداعات الكتاب والأدباء ،مختلف رؤي النقدية والتحليلات حولها..
وفي هذه السطور يقدم لنا الشاعر الإعلامى السيد حسن رؤية نقدية حول رواية “استراحة فاروق”للكاتب الأديب الروائي رضا سليمان.
🍂
✍️ يقول الأديب الشاعر: السيد حسن:
أولا لابد أن نقف بكثير من الدهشة و الاحترام لهذا التحطيم المتعمد لخطية الزمن و لثبات المكان لانه عبر هذه الرواية يلغى كل الخطوط التى يمكن ان تفصل الماضى عن الحاضر و فى ختام الرواية يفاجئنا أنه يحطم حتى الفواصل الزمنية عن المستقبل و كانه يقول ” الزمن فى ذاته لا يعنى شىء ” الذى يعنيه الزمن هو احساسنا نحن اما ببهجته او بوطأته
كما قال ابى العلا المعرى :
وهكذا كان أهلُ الأرض، مذ فُطروا .. فلا يظُنّ جهولٌ أنّهم فَسَدوا
هذا المعنى يريد ” سليمان ” أن يقدمه لنا عبر هذه الرواية فانت منذ البداية امام تمجيد عظيم للحضارة المصرية و فى الوقت ذاته انت امام انتقاد حاد لهذه المظالم التى جعلته يفتتح الرواية ( بتعويذة الخلاص) و كأن كل واحد منا فى مأزق يعوذه ان يتلو هذه التعويذة عله يخرج من مأزقه ثم عندما يختار بطل الرواية ” أيمن فاروق ” دراسة الحضارة المصرية القديمة
ما الذى يختار ؟ يختار العمال المستعبدون و كانه يقول إن العبودية ليست طارئة على الانسانية بل هى حاضرة حتى فى أمجد لحظات الحضارة الانسانية فى الحضارة المصرية.
ويحدثنا عن اصناف من العمال المستعبدين واحد تبيعه سيدة لمشترى باعتباره عبداً و يعقب ( و كانه احد الماشية ) و اخر يبع نفسه بنفسه سداداً للديون عليه و آخر يبيع نفسه و أسرته و كل ما يملك لان الكهان اثقلوا عليه ، علنا نذكر ( كأسك يا وطن ) عندما يذهب المواطن ليبيع ابنه فيسألونه : تبيع ابنك ؟ يقول : نحن فى زمن تباع فيه الاوطان أفلا نبيع أبنائنا !!
إذن فكرة إن العبودية متعددة الاشكال حاضرة فى هذا المشهد منذ القدم و إلى الآن فكرة يقفز بها رضا سليمان من هذا التاريخ المجيد السحيق حتى ثورة 25 من يناير التى يقول فيها هل كنا بحق بقدر ما تتطلبه الثورة من تحرر أم كان هناك بعض الذين ضاقوا إلى حد الانفجار ثم انفجروا وكفى !!
هذه الاسئلة تطرحها الرواية طرحا عميقا جارحا لأنه يمسنا جميعا فيؤلمنا الى حد الامتاع و يؤلمنا الى حد التحريض ويؤلمنا الى حد التفكير ثم اعادة التفكير اذن ” ايمن فاروق ” سوف تتداخل لديه الازمنة سنجده هذا الشاب الذى يدرس الدكتوراه فى الحضارة المصرية القديمة و مرة عبداً يحمل محفة الملكة و مرة سوف نجده كاهناً و كأنه يقول لا حدود للزمان و لا للمكان الانسان فى القلب من هذه الاحداث فالتقنية الحديثة هى تحطيم التقدم الخطى للزمان من الماضى الى الحاضر الى المستقبل و بالطبع انتقاله فى الزمان لابد ان يصحبه انتقال فى المكان انت فى منطقة الهرم ام المعبد ام انت فى المقبرة ام انت وسط الكهنة الازمنة و الاماكن لا معنى لها.
لكن لابد أن أعجب من قدرة رضا سليمان عن المزج الى أن يقدم لنا ما يشبه المحاضرة فى علم المصريات و المدهش أن هذا لا يوقف التدفق الدرامى للعمل الذى نحن بصدده
فعندما يتساءل إن كان هناك اتجاه دينى لدى المصريين الى حد ان نقول ان هناك موحدين و هناك مشركين ام كان هناك دين واحد هو دين التوحيد لكن له مذاهب متعددة
و المدهش أنه عندما يغرس لنا المعلومات فى العمل الدرامى لا يسمح للنص الدرامى ان يحيد ، فهذا يذكرنى بالكاتب ( صنع الله ابراهيم ) عندما كان يكتب التقارير الصحفية ثم ينشا منها عمل روائيا فلا يمكن ان نتهمه انه اوقف العمل الروائى لكى يعلمنا و لكنه طوال الوقت يمارس هذا بانسيابيه تنبع من حنكة من صارع الدراما وصارعته الى ان اصبح يستطيع تطويعها الى أن يقول عبرها ما يريد أن يقول.
وأيضا لعب تقنية حلم اليقظة فى مزج الازمنة معا دون ان نشعر ان هناك قفزة غير منطقية و رضا سليمان طوال الوقت يعطينا وجهة نظره على لسان ابطاله دون ان يحول الشخصيات الى ( ماريونت ) فمثلا موقفه من الزواج ” فالزواج مشروع فاشل وانجاب الابناء مسئولية وبالتالى ليس من حق كل البشر ان ينجبوا ”
وهكذا قام رضا سليمان فى روايته ” بتحطيم الجدران الفاصلة ما بين الازمنة والأماكن ”.