يذهب محمود تيمور إلى أن رواية زينب لمحمد حسين هيكل هى ” أول قصة مصرية كتبت على النمط الغربى” فعهد زينب كان بدء تحرر الأدب من السيطرة العربية القديمة، واستلهامه من الأدب الغربى، أى بدء ظهور النفوذ الغربى فى أدبنا العصرى “. ويقول يحيى حقى: ” من حسن الحظ أن القصة الأولى في أدبنا الحديث قد ولدت على هيئة ناضجة جميلة، فأثبتت لنفسها – أولًا- حقها فى الوجود والبقاء، واستحقت – ثانيًا- شرف مكانة الأم في المدد منها، والانتساب إليها، وإلاّ أين كنا نداري وجوهنا لو التف القماط على خلقة دميمة مشوهة، تجد عذر غثاثتها، أنها من إنتاج قلم غشيم في الكار؟ “.
لعلى أميل إلى رفض الرأي بتحديد البداية على أساس في ، دون مبرر على الإطلاق . بل إن أستاذنا يحيى حقى يسقط تمامًا صدور أية محاولة سابقة لزينب، حين يحمد الله على أن الوليد الأول [ ! ] جاء مكتمل الصحة، ولا يعاني تشوهات خلقية ، بينما صدرت قبل زينب بضعة أعمال روائية تعاني السذاجة فى مجموعها، لكنها تظل وثائق فنية لصورة المجتمع المصري فى مطالع القرن العشرين. ربما جاءت ذات خلق دميمة شوهاء، لكنها تنتسب إلى الفن القصصي. ولأنها تجارب أولى، فهى لابد أن تتسم بأخطاء التجربة وسذاجتها. بل إن أحدًا لم يلتفت إلى زينب بالذات، إلاّ بعد أن أعيد طبعها عام 1929. وعرف أنها لهيكل باشا، فأخذت أهمية في الأدب العربي الحديث، لمقام هيكل باشا، لا لما فيها من الفن “.
يقول يحيى حقي في تقديمه لرواية محمود طاهر حقي “عذراء دنشواي“ بأنها هي البذرة التي مهدت لمحمد حسين هيكل أن يكتب فى 1912 رواية زينب، وجعل حوادثها تجري في الريف، وبعض أبطالها من الفلاحين. بل إن عذراء دنشواي- في تقدير حقي- وفي تقديري أيضًا- تمسكت بأهداب الواقعة، بينما غرقت زينب في رومانسية شاعرية، لا تقبل الأضداد” بل إن عبد الحميد إبراهيم يرجع أصول رواية زينب إلى الأدب الفرنسي، وأنها كانت تأثرًا من الفنان بأعوام إقامته فى فرنسا، وتوجهت نحو النموذج الغربي، تستلهمه المضمون والشكل، فتحولت إلى قرية من قرى سويسرا أو فرنسا، وأصبحت زينب نفسها نسخة شبيهة ببطلات الروايات الغربية، وتنتهي الرواية في جو رومانسي حزين، يقترب إلى جو الروايات الرومانسية التي كانت شائعة في فرنسا حينذاك، وبخاصة رواية ألكسندر دوما غادة الكاميليا.
ويعتبر أحمد حسين الطماوي في وادي الهموم لمحمد لطفى جمعة أسبق ـ زمانيًا ومكانيًا ـ من زينب هيكل، وعذراء محمود طاهر حقى، وغيرهما من الروايات التي صدرت في مطالع القرن العشرين. صدرت في وادى الهموم عام 1905، بينما صدرت عذراء دنشواي عام 1907، أما زينب فقد صدرت عام 1912.
إن كل المحاولات التى سبقت زينب، مثل حديث عيسى بن هشام وليالي سطيح، تنتسب – في تقدير يحيى حقي ـ إلى المقامة، وليس إلى فن الرواية. ومن ثم فإن زينب، حتى لو جاءت صورة شوهاء، كانت ستظل الأولى لعدة اعتبارات: إنها تخلصت من أسلوب المقامة، وتوخت السهولة والبساطة في العرض والتناول.. إنها أقرب في قضيتها إلى الرواية في أًصلها الأوروبى.. إنها لجأت إلى العامية في الحوار، وإنها عالجت – لأول مرة – وضع المرأة في عمل روائى. إن لهيكل-ـ على حد تعبير الكاتب – فضل في اتخاذ الريف والفلاحين موضعًا لأول رواية مصرية. وكما قلنا، فإن اجتهاد يحيى حقي غادر صفحات كتابه، ليصبح اجتهادًا أساسيًا، أو مسلّما به، في كل الدراسات النقدية التالية.
فهل تعد زينب– بالفعل – أول رواية مصرية؟
كتب يحيى حقي دراسته في أثناء عمله بدار الكتب، وبالتالى فقد أفاد من كل المراجع التي تضمها الدار، وقدم لنا – للمرة الأولى – بعض الرواد من الأدباء الذين كانوا شبه مجهولين مثل عيسى عبيد وشحاتة عبيد وغيرهما من أدباء ما بعد زينب- إن جاز التعبير – ولم يبذل الجهد نفسه في دراسة البدايات الأولى التي تنفي أن زينب كانت هي الرواية الأولى، بحيث توضع رواية هيكل في موضعها المتأخر – نسبيًا – بين المحاولات الروائية المصرية الأولى، وينقذ أصحاب تلك المحاولات من الإهمال غير المبرر، فلا يغيبون عن الدراسات التي تؤرخ للرواية المصرية منذ بداياتها.
ربما اعتمد يحيى حقي على ما كتبته مجلة “السفور” بأنها أول رواية خطّها قلم مصري رجيح في شئون الأدب ومعرفة الحوادث المصرية الصميمة، أو لعله اعتمد على الرأى بأن زينبهي ” نوع الروايات الذي يرجى أن يظهر فينا نحن المصريينـ تأثيره، لأنه يخاطبنا بلغة نفوسنا، وباللسان الذى نتحدث به في بيوتنا وشوارعنا”. وربما اقتنع حقي بما كتبه عباس حافظ أن زينب هي ما يذكره في بدايات ” فن القصة المطولة”. وربما استند حقى – في حكمه غير المبرر – إلى ما قدم به عبد العظيم طاهر الشهابي رواية جلال الدين نصوح “الأسرة المنكودة- صفحة من جهاد شباب الثورة “، التى صدرت في 1925، إن الرواية ظلت بعيدة عن أقلام الكتاب، فلم نر حتى 1935 – وقت كتابة المقدمة – رواية مصرية، باستثناءزينبللدكتور هيكل، وبعض روايات لا تصور من حياتنا إلا النزر اليسير. ذلك ما كتبه االشهابي، واستند إليه – فيما يبدو – يحيى حقى، برغم أن كل المقومات التي جعلت من زينب الرواية الأولى تتوافر – بسخاء – في عشرات الأعمال التي سبقتها.
إن دراسة ” المتن “، وليس الاعتماد على اجتهادات سابقة، هو ما يهب البحث العلمي قيمته الحقيقية. وأحرى بنا – فى هذا الإطار-ـ أن نعيد دراسة كل الأعمال الروائية المصرية الرائدة،ـ دون التقيد باجتهاد مسبق،ـ ليمكن أن نجيب عن السؤال: هل زينبهي أول رواية مصرية.
صدرتمنذ ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى عام 1912 – وهو العام الذي صدرت فيه ” زينب ” – أكثر مائة وخمسين رواية مصرية، بعضها يعاني السذاجة الفكرية والفنية، بحيث يصعب أن ينتسب فن الرواية على الإطلاق، وبعضها الآخر يحمل مقومات تكنيكية ومضمونية تجاوز الصورة التى ظهرت بها زينب هيكل.
الموضوعية تقتضي دراسة كل تلك الأعمال، بحيث يستند إسقاطها من المسار الروائي المصرى إلى ما تحمله، أو لا تحمله، من قيمة. ولعل السؤال الذي يفرض نفسه: هل قرأ أي من الباحثين الذين وضعوا زينب فى موضع الأمومة لكل الروايات، كل الأعمال السابقة لرواية هيكل؟ وهل أتيح لهم – بالفعل – قراءة تلك الروايات، أو بعضها.
سأل عبد العال الحمامصي أستاذنا يحيى حقى حول هذه النقطة – بعد أن عرضت لها بالمناقشة في ” المساء ” وانتصرت – فنيًا- لرواية عذراء دنشواى التي سبقت رواية هيكل في الصدور، فأجاب حقي بأنه عدل عن رأيه في المقدمة التي كتبها لرواية طاهر حقى، عندما أعيد طبعها.