بقلم ✍️ د.كمال فهمي
(الأستاذ بكلية الطب جامعة الزقازيق)
يثير البعض فى مجتمعنا بين وقت وآخر هذا التساؤل .. وهو تساؤل مشروع يجب أن نحدد موقفنا منه بوضوح ..
بداية .. يجب أن نفرق بين الدين وبين الفكر الدينى .. فمن المؤكد أن الفكر الدينى البشرى الذى ارتبط بالاديان هو سبب المشكلات التى ارتبطت بالاديان بما كرسه هذا الفكر الدينى (البشرى المنشأ) من مشاعر التعصب والكراهية بين أصحاب الاديان المختلفة بل وأصحاب المذاهب المختلفة فى الدين الواحد …
أن تقوم بمناقشة أو نقد الاديان ذاتها من حيث الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر هى قضية عبثية غير مجدية فالإيمان هو شعور وجدانى راسخ فى نفوسنا جميعا .. كذلك حين تناقش أى دين هو الدين الصحيح والآخر هو دين باطل هو أيضا نقاش عبثى غير مجدى .. ولا ينتج عن مثل هذه المناقشات سوى إثارة الكراهية والغضب وربما العنف.
الجدوى الحقيقية فى نقد الفكر الدينى وهو ما ارتبط بالأديان من تصورات وآراء وسلوكيات ضارة بالمجتمع البشرى .. ولأن الفكر الدينى عليه اجماع أنه بشرى المنشأ كان من المقبول من الجميع أن يتم نقده ،ونقضه إذا خالف المنطق والعقل وبالتالى يجنى المجتمع ثمارا جيدة لهذا النقد والنقض.
من الحكمة ربط دعوات التنوير بالعائد أو الفائدة ويجب أن نفكر جيدا فى ما هو العائد من التشكيك فى عقيدة المؤمنين .. ماذا يضير المجتمع من وجود المؤمنين بالله .. ماذا سيستفيد المجتمع من محاولة إثبات المسلم أن الدين الاسلامى فقط هو الصحيح وأن الدين المسيحى أو اليهودى أو حتى البوذى خطأ ويقدم الأدلة والبراهين ويحتدم النقاش وتزيد وتيرة التعصب وتشتد نيران الكراهية وبدلا من أن يكون التنوير طريقا للقضاء على التعصب والكراهية فى المجتمع تكون النتيجة عكسية.
دعوة التنوير يجب أن تضع فى مقدمة اهدافها نشر روح المحبة والتسامح فى المجتمع وأن يتم ترسيخ حرية الاعتقاد طالما لا توجد سلوكيات ضارة بالمجتمع ناتجة عنه .. فكر كما شئت واسلك طريق اى عقيدة كما تشاء ولكن احترم معتقدات الآخرين، ولا تسخر منها ااو تسفهها وامنحهم الحرية فى اطار تعددى متسامح وذلك حتى يمنحك الآخرين نفس القدر من الحرية والاحترام لمعتقدك أيا كان ..
وحتى فى المجتمعات الغربية التى سبقت فى طريق التنوير فمازالت فيها الكنائس والمساجد والمعابد عامرة بمرتاديها يمارسون عباداتهم فى حرية تامة.
وكما قال د. عدنان العويد، فإن موقف التنوير من الأديان هو نفس موقف العلمانية .. الدين معتقد شخصى بعيد عن قوانين الدولة وسياساتها وكل شخص له حرية ممارسة عباداته فى حرية تامة دون منع ودون نقد طالما لا يوجد اضرار بالمجتمع.
ويبقى الفكر الدينى الذى أحاط بالاديان هو ما يستحق النقد لما يمتلأ به من اضرار للمجتمع ،وهى مهمة ليست سهلة فمجالها واسع حيث يشكل الفكر الدينى ربما ما يقترب من ٩٩ فى المائة مما يعتقد العامة أنه الدين ويجب تصحيح هذه المفاهيم لديهم.
وباختصار لابد أن تدار دعوة التنوير من خلال دراسة الجدوى والأهداف، بعيدا عن معاداة معتقدات البشر ودياناتهم ومن هنا جاءت سياسة الدعوات المتعقلة لمنع نشر كل ما يسئ للاديان أو يسفه من الايمان أو ينتقد أى عقيدة .. ننتقد فقط كل ما هو ضار من أفكار أو سلوكيات ارتبطت بالأديان .. ندعو إلى العقل ولكننا فى نفس الوقت ندعو الى الانسانية ونشر روح المحبة والسلام.