»» وقفات وتأملات ودروس مع الراحلين إلي وادي الصمت !!
أحيانا يخفت صرير القلم وتهرب الحروف وتتمنع الجمل وتختلط العبارات، وتأبي اليد أن تخط ما يجيش بالذهن من معان وذكريات، وما يحويه القلب من هم وحزن وألم..
فراق الأم ليس أمرا هينا كما قد يتصوره البعض، لكنها إرادة الله ولا راد لقضائه، والسلوان والاحتساب هما العوض لكنهما يأتيان بعد اليقين الثابت أن الإنسان مغادر للدنيا لا محالة، ولا يوجد إنسان مخلد علي ظهر الكوكب، والفارق بين الحياة والموت ربما نفس يخرج ولا يعود..
ولذا نهت تعاليم ديننا الحنيف عن الجزع الحاد والقنوط والحزن الخانق، وأوصتنا بضرورة التخلص من هذه المشاعر السلبية التي يزينها الشيطان، وبأن الحياة قد انتهت وقد أظلمت..
ولدي هؤلاء اليائسين من رحمة الله الناقمين علي قدره وقضائه، وحسن تدبيره، ربما يأتي الحصاد المر لدي البعض بالموت كمدا وضيقا ويأسا من رحمة الله، التي وسعت كل شيء نورا وسترا وكرما وجلالا وبهاء.
وتمضي الأيام وتتساقط الأوراق الخضراء اليانعة،
الواحدة تلو الآخر، وتنتقل الأرواح الطاهرة، والنفوس المطمئنة إلي السماوات للالتحاق بركب عباده الصالحين، بعد أن أدت رسالتها في دنيا الناس، لكنها تنبت من جديد في عنان السماء برونق آخر يليق بجلال الله وعظيم فضله..
يقول الرحمن الرحيم في محكم تنزيله في نهاية سورة الفجر:
“يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”.
ومثلما هي الحكمة من الموت والحياة ليختبر الخالق عباده فيما هم صانعون.. وصدق الله العظيم وهو القائل:
( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك 1-2.
وبقلوب مؤمنة بقضاء الله رحلت أمي، ويمضي قدر الله ففي أسرتي الصغيرة وخلال سنوات قليلة ودعت أبي وأخي الأكبر وزوجتي، ومن قبل أربعة من إخوتي .. وهي سنة الله في خلقه إليه الرجعي والمصير.
ويبقي فراق الأم..محطة فارقة موجعة، لا يمر بها إلا من كتب عليه الفراق أو حانت لحظة الوداع ..
وصدق الشاعر كريم العراقي:
لا تَشْكُ للناس جُرْحًَا أَنْتَ صَاحِبُهُ.. فإنه لا يُؤْلِمُ الجَرْحُ إلا مَن بِهِ ألَمُ.
وقال شاعر آخر: مآ دمتُ في كفِ الرحمن آمنا.. فكيف أخشى من المقدور يؤذيني.
سلمتُ أمري للرحمن واثقا.. بأن ربي سيكفيني ويحميني.
غادرت أمي الدنيا، وودعت عالمنا بابتسامة عريضة شهدها كل من ألقي عليها نظرة الوداع إلي كنف ورعاية الرحمن..
توفيت والدتي التي كنا نرزق بصالح دعائها وجميل حنانها وحلو كلماتها وطيب مجلسها..
توفيت أمي بعد صراع طويل امتد لعدة سنوات مع المرض، وتضاعفت آثاره وآلامه خلال الثمانية أشهر الأخيرة..
وما بين التسليم المطلق لقدر الله ومابين إرادة الشفاء صعدت الروح الطيبة لبارئها بابتسامة رقيقة ونضرة، رغم ماسبقها من جراحات وأوجاع، عرفها كل من حرص علي وداعها إلي مثواها الأخير في ذمة الرحمن الرحيم الحي القيوم، الذي لا يغفل، ولاينام.
ومع التسليم بقدر الله المحتوم واليقين الكامل وبحسن تدابير الخالق في عباده، لكن هناك مساحة من الحزن والألم ربما لمراجعة النفس وحسابها علي تقصيرها والانطلاق من جديد.
ولعلنا أيضا نتوقف عند عدة محطات نفسية
أولها: أهمية العظة من الظروف والملمات والمحن، والتي أرداها الله عز وجل وكتب علي عباده الصالحين نصيبا منها.
وقال أحدهم ليتنا نتأثر كثيرا بحوادث الدنيا ودروسها، وفترات المرض والمعاناة، التي ابتلي الله بها نفرا من عباده.
ومن محطات التوقف المهمة الحرص زيارة القبور بوادي الصمت، حيث تقبع الأجساد، وتصعد الروح لبارئها.. ويتوقف ضجيج الحياة وصخبها وصراعاتها اللامحدودة، بلا مشاحنات ومناطحات وجدل ومراء، ولا تسمع إلا همس الواعظين والزائرين راجين العفو والمغفرة ولسان حالهم : “سلام عليكم ديار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن اللاحقون”
أتصور أن زيارة المقابر أو عالم الصمت الأبدي .. سنة إيمانية لعباد الله الصالحين الراجين عفوه وكرمه ورحمته، وفرصة وجدانية لترقيق القلوب وتصحيح اعوجاج النفوس.
ويكفي وصايات الرحمن بالأم وبالوالدين خيرا وإحسانا يقول الله عز وجل في سورة لقمان:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ *.
وعهد الله لبني آدم شكره علي نعمه التي لا تحصي ولوالديه، وحرصهما علي تربيته ورعايته، وتحمل كل المشاق والصعاب حتى يصبح إنسانا قويا صالحا لنفسه ولمجتمعه ووطنه.. وقوله: (إليَّ المَصِيرُ) يقول: إلى الله مصيرك أيها الإنسان، وهو سائلك عما كان من شكرك له على نعمه عليك، وعما كان من شكرك لوالديك، وبرّك بهما على ما لقيا منك من العناء والمشقة في حال طفولتك وصباك، وما اصطنعا إليك في برّهما بك، وتحننهما عليك.
ولعلي هنا اتذكر أجمل ما قيل في (الأم)رمز التضحية والفداء والحنان والامل والاحتواء..
-أعظم أوجاع البشر، من يشتاق لأمه ولا يجدها
– الجنة تحت أقدام الأمهات.
-اخْـضَـعْ لأُمِّـكَ وأرضها… فَعُقُـوقُـهَـا إِحْـدَى الكِبَــرْ.
-الأمومة أعظمُ هِبَةٍ خَصَّ الله بها النساء.
-ليس في العالم وِسَادَةٌ أنعم من حضن الأم. أمّي.
-ماتت أمي ومات معها كل شيء.
-أعشق عمري لأني إذا متُ أخجل من دمع أمي. -وَاخْـضَـعْ لأُمِّــكَ وأرضها فَعُقُـوقُـهَـا إِحْـدَى الكِبَــرْ. – أَحِـنُّ إِلَى الكوب التِي شَـرِبَتْ بِهَـا وأَهْـوَى لِمَثْـوَاهَا التُّـرَابَ وَمَا ضَمَّا.
-أريدك أن تعلمي يا أمي أني حينما أنحني لأقبل يدك وتنسكب مني دموع ضعفي وأرى نظرات الرضا بعينيك، وقتها فقط أشعر بمدى إنسانيتي واكتمالها.
-أمي، أنتِ شمعة مقدسة تعمل من أجل إضاءة ليل الحياة لنا بكل تواضع ورقة وفائدة.
-إذا وضع العالم بالكامل في كفة، وأنتٍِ يا أمي في كفة، فبكل حب سوف أختار كفتك أنتِ فقط.
-إن صوتك يا أمي هو أرق الألحان وأعذب الأنغام التي أسمعها وأتمنى أن أظل أسمعها حتى الأبد.
-أمي هي أعظم كتاب قرأته.
-أمي أنتِ لستِ بالنسبة لي يوما أو شهرا أو حتى سنة، أنتِ يا أمي كل عمري، أنتِ بسمة الأمل بحياتي.
-بين يديك كبرت، وفي دفء قلبك احتميت، وبين ضلوعك، ومن عطائك ارتويت، فكيف لا أحبك يا نبع الحنان. -إن القلوب لا تؤم إلا إليك، والصخور لا تلين إلا أمام حنانك، فأنت معنى الحب، والجنة تحت أقدامك يا أغلى ما لدي في الحياة.
-أمي أنتِ نبض قلبي المتعب، وأنتِ شذى عمري.
-إن قلبك يا أمي عميق، ولا يمكنني أن أجد في نهايته إلا المغفرة والرحمة.
– لو ماتت أمي تصبح الدنيا من حولي أكثر حزنا وأكثر ظلاما.
-يوم مرضت نام الجميع من حولي، وظلت أمي وحدها مستيقظة.
-أمي يطلق عليك الجميع امرأة، ولكن أنا وحدي أسميكي كل شيء.
-أمي حبيبتي لا أجد بمجلدات الدنيا كلها ما يوفيك حقك واحد فقط من حقوقك.
-إن من صنع أعظم الرجال هم الأمهات.
-أنتِ يا أمي بالنسبة لي رمز الحب والعطاء اللامحدود، والكرم والصبر والتضحية.
-أنتِ يا أمي كنزي الحقيقي في الحياة. -أشكرك يا الله على هذه النعمة، أمي. لم أشعر بالاطمئنان إلا وأنا بين ضلوع أمي. أمي إنّ قلبك كعود المسك، كلما احترق فاح منه شذاه.
-بالطبع أن الأشياء الثمينة لا يمكن أن تكرر مرتين، ولهذا فلا نمتلك إلا أم واحدة.
– آمنت أنّ الأمهات أوطان صغيرة، ففي كل أم وطن نسكنه، ونحبه، ونفتخر به.
-لا شيء يمنحك الحب أكثر من قلب أم ذابت شمعتها لأجلك.
-يكفيني في هذا العالم الكئيب أن أحمل في داخلي دم أمي.
-قوة الأمومة هي أقوى قوانين الطبيعية.
-إذا أهديتُكِ الذهب أنتِ أثمن، وإذا أهديتك الوردَ فأنتِ أحلى، أمّا إذا أهديتُكِ عمري فأنتِ أغلى.
-أنتِ بنظر الناس أمّي، لكنك بنظري أنت أروع ملاك يحضنُني، ولو تمكّنت لأهديتك عمري.
جميلة هي أمي، كلها بلا استثناء.
-أهون على الإنسان لو يفقد أبًا غنيًا من أن يفقد أما فقيرة.
-داخل كلّ أم هنالك ملكة، اطلبْ من جلالتها، وهي ستلبّي طلباتك.
-أفضل كتابٍ قرأته هو: أمّي. إن صَغُر العالم كلّه فالمرأة تبقى كبيرة.
-الأم هي كل شيء في هذه الحياة هي التّعزية في الحزن، الرّجاء في اليأس والقوة في الضّعف.
وأخيرا ..فارغة هذه الحياة حين تمر دون أمي، ومؤلمة حدّ البكاء دون ضحكتها.
رحم الله أمي وجميع أمهات المؤمنين وأسكنهم الفردوس الأعلى بما يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك، ففي الجنة يلتقي الأحبة بوعد الله الصادق وتذهب الغربة وتطيب الجراح..وسبحان من له الدوام..ولله الأمر من قبل ومن بعد.