بقلم ✍️ محمد يحيى (كاتب ومدرس الميكروبيولوجيا والمناعة بكلية الصيدلة جامعة السادات)
الصيدلة.. لا تزال تلك المهنة الطبية السامية تحتفظ ببريقها وسحرها الخاص، ولايزال الصيدلي يحتفظ لنفسه بتلك الهالة التي تجعل الجميع ينتظر منه معرفة متعمقة بأصناف الدواء واستخداماتها و بالكثير من المعلومات الطبية المتنوعة.
و هذه الهالة كان لابد أن تمتد الى الأعمال الفنية والأدبية وأن يتلقف الكتاب والسينمائيون هذه المعرفة بأصناف الدواء وبالكيمياء وتفاعلاتها الشيقة وبالنباتات الطبية المختلفة و التي تمتزج أيضا مع الوظيفة الطبية وتفاعلاتها الإنسانية وأن ينتج عن ذلك قدرة خاصة على خدمة السياق الدرامي وعلى مزج اللمحة العلمية مع التشويق ومع السياق الإنساني المؤثر.
فمن منا لا يذكر العمل السينمائي الكبير (حياة أو موت) ومن لا يهرع النداء الشهير إلى التردد في أذنه (إلى أحمد ابراهيم….الدواء فيه سم قاتل) وذلك بمجرد ذكر الفيلم.
ومن منا لا يذكر دور الصيدلى المحوري في قصة الفيلم بقدرته على تركيب الأدوية وبدوره في التعامل المباشر مع المرضى وبالبعد الانساني الكبير والاحساس بالمسؤولية العالية التي جعلته يحاول طوال الفيلم وبشتى الطرق أن ينقذ مريضه ولو كلفه ذلك التضحية بنفسه وأن يبذل كل المحاولات الحثيثة لإنقاذ مريضه حتى تكلل مسعاه بالنجاح.
وهذا العمل يُعد واحد من أشهر افلام السينما المصرية و قد أُختير ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية بل إن هذا الفيلم قد ترشح لمهرجان “كان” ونال جائزة الدولة وحظى بغيرها من أشكال التكريم.
فبالإضافة إلى الموهبة المتفردة لصناع الفيلم الكبار، جاء دور الصيدلي ليكسب قصة الفيلم أبعاد علمية وإنسانية متعددة وليلعب دورا في تفرد القصة وتشويقها وفي السياق الدرامي الفريد.. وبرغم إنتاج هذا العمل عام 1954، وبرغم مرور سبعين عاما إلا أنه لا يزال حاضرا في الذاكرة ومحتفظاَ بإشادة و اعجاب النقاد و المشاهدين..
واليوم لا يزال عالم الصيدلة يزخر بالحيوية ولا يزال يشكل منطلقا ورافدا ثريا للإبداع كما أنه لا يزال يحمل فرصاً متجددة وآفاقاً رحبة للتحليق في سماء الإبداع، فمع إنتشار الوعي بوجود أدوار أخرى للصيادلة في مصانع الأدوية والمستشفيات والصيدلة الاكلينيكية وشركات الدواء إلى جانب دور الصيدلي في الصيدليات، برزت هذه الأدوار أكثر كميادين خصبة لاستنباط المزيد من الأفكار الابداعية والروائع الأدبية ،فهذه الأدوار تحمل أيضا من الأهمية ومن الأبعاد العلمية والانسانية ما يجعلها تمثل فرصاً للإستلهام ومنطلقاً للإبداع مثلها مثل دور الصيدلى في الصيدليات والذي حظي بالنصيب الأكبر حتى الآن.
كما أنه بالإضافة إلى دخول الصيدلي كبطل في الأحداث الدرامية وفي سياق القصص الحياتية المختلفة، فإن عالم الدواء بحد ذاته به من قصص اكتشاف الدواء ومن الأحداث المختلفة ما يشكل مادة خصبة بحد ذاته لكثير من الأعمال الإبداعية، فهو عالم ضخم يجمع بين مراكز الأبحاث الكبرى والشركات العملاقة والمصانع المتقدمة وصولا الى الصيدليات والمستشفيات، كما أنه يتعامل مع الدواء بكل أهميته في حياة الإنسان.
وأخيرا، فلطالما كان بين العلوم المختلفة وبين الآداب والفنون من وشائج القربى الكثير و لطالما ألهم كل منهم الآخر في مسيرة العقل الانساني الدؤوبة نحو الابتكار والابداع.