بقلم ✍️ أ.د. مها عبدالقادر
(أستاذ أصول التربية كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر)
»»
يحتفي العالم في العشرين من نوفمبر من كل عام بيوم الطفل العالمي؛ ليؤكد على فرضية حماية الأطفال ورعايتهم ورفاهيتهم في العالم بأسره، وفق ما أقرته الأمم المتحدة في عام 1954، فالأطفال هم شباب المستقبل الذين يشكلون مجتمعاتهم، وهنا تكمن المسؤولية الجماعية التي بها نضمن نموهم وحمايتهم وتمكينهم وإيجاد بيئة تؤدي إلى النمو سليم، وهذا يؤكد أننا لا نبني مستقبلًا أفضل وفقط، بل نحافظ على الأمل في غدٍ أكثر إنسانية وعدلاً فهم وعد الغد وحاملو لوائه..
ويذكرنا يوم الطفولة العالمي بحق الطفل في التعليم، والصحة، والاستمتاع، واللعب، والحماية من العنف، والاستغلال، والتأكيد على المساواة والاهتمام بتكافؤ الفرص بين الأطفال بغض النظر عن الجنس، أو العرق، أو الظروف الاجتماعية، وأهمية معالجة الفجوات بين الأطفال في مختلف أنحاء العالم بسبب الفقر، والنزاعات، والتمييز، ودعم رفاه الأطفال بالتضامن العالمي من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالطفولة، وهذا ما جاءت به اتفاقية حقوق الطفل التي تم تبنيها عام 1989.
وتأتي أهمية نشر الوعي بحقوق الطفل حيث تترجمه ممارسات صحيحة من خلالها إيجاد أنماط التعليم الشامل، وتدشين القوانين التي تعمل على حماية الأطفال، وتحقق لديهم الصحة النفسية، كون الأطفال يشكلون أجيال المستقبل فهم بمثابة العمود الفقري لأي مجتمع وذخيرة شباب المستقبل، مع الاهتمام بفلسفة تعمل على توفير الرعاية والدعم لهم تضمن وجود جيل قوي قادرا على قيادة الغد.
ويؤكد يوم الطفولة العالمي كل عام على أهمية أن يتمتع كل طفل بالكرامة، والأمان، والتعليم، والحب من خلال الالتزام بحقوق الأطفال وتوفير بيئة داعمة لهم، لبناء مستقبلٍ أكثر إشراقا وسلاما، والإقرار بالدور المحوري للأطفال والوثوق بإمكانيات الأطفال وقدراتهم في تحقيق التغيير الإيجابي إذا تم تمكينهم وتوفير الفرص المناسبة لهم، من خلال إشراك الأطفال في القضايا التي تؤثر على حياتهم.
ويتأتى ذلك من خلال بناء سليم لفكر ووعي الطفل؛ حيث يمثل أساس الحماية والتمكين ويعد حجر الزاوية في حمايته من الأفكار المستوردة المغرضة والهدامة، التي قد تؤثر سلبا على نشأته وهويته الثقافية والاجتماعية، ويتحقق هذا الهدف من خلال تقديم محتوى هادف، يُغرس في النفس القيم الإيجابية، وينمي لديه التفكير النقدي، ويُرشده نحو السلوك القويم.
وغرس حب التعلم والبحث عن المعرفة بشكل مستقل، وتوفير بيئة تعليمية بمؤسسات التعليم المختلفة تشجع على التفكير النقدي والتحليل السليم والإبداع، كمقومات أساسية لتشكيل الوعي لدى الأطفال مما يتيح لهم التعرف على التحديات والمتغيرات المختلفة وكيفية التعامل معها وآليات المواجهة، وتضمين المناهج التعليمية ما يعبر عن ذلك لضمان إكسابه للأطفال وتشكيل وعي سليم مسؤول عبر أنشطته تعليمية وحياتية تتضمن محتوى وطنيًا يعكس الهوية القومية ويعززها، وربط المواد الدراسية بقضايا المجتمع المحلي لزيادة وعي الطلاب، وتساعد في غرس القيم الإنسانية النبيلة مثل التسامح، الصدق، والعمل الجماعي، والاهتمام باستخدام المنصات الرقمية لإنتاج محتوى تعليمي وترفيهي محلي جذاب، وإنشاء تطبيقات وألعاب تعليمية تغرس القيم الوطنية لدى الأطفال، وتفعيل دور الأسر ومجالس الإباء والمؤسسات الثقافية في توكيد الهوية الوطنية، والاهتمام بإقامة أنشطة ومهرجانات محلية تدعم تفاعل الأطفال مع ثقافتهم، والاهتمام بتأهيل المعلمين ليكونوا قادرين على نقل القيم الثقافية بطرق مبتكرة وجذابة.
كما أن توكيد الهوية الوطنية والقومية في ظل التحديات المعاصرة يتطلب تفعيل دور التربية الثقافية كوسيلة لتثبيت القيم والمبادئ التي تشكل عمق الهوية، ومواجهة التأثيرات السلبية الناتجة عن المحتوى الثقافي الوافد والمستورد، والذي قد يتعارض في أحيان كثيرة مع السياق الثقافي والقيمي للمجتمع، من خلال إنتاج محتوى محلي هادف يتمثل في تطوير وسائل تعليمية وثقافية محلية تعكس القيم والتقاليد الوطنية، وتقديم قصص، وأفلام، وبرامج ترفيهية وتعليمية تربط الأطفال بثقافتهم بأسلوب ممتع ومفيد، والتركيز على القيم الوطنية والقومية كالحب للوطن، والانتماء، والتضامن المجتمعي والتسامح والاعتزاز بالتراث الثقافي.
وايضا تقديم محتوى ثقافي يخاطب العقل بمعلومات صحيحة وحقائق دقيقة يكسب الأطفال السلوك القويم ويسهم في تصحيح المفاهيم الخطأ ويستبدلها بمعلومات صحيحة ترتبط بالقضايا المحيطة، والاهتمام بمخاطبة الوجدان بأسلوب مشوق يجعل الطفل متفاعلًا ومستمتعًا بالتعلم، وتصحيح الصور النمطية والمفاهيم المغلوطة التي قد تُبث عبر المحتوى المستورد، وتنمية قدرة الأطفال على تمييز المعلومات الصحيحة والموثوقة من المضللة، وتمكينهم الأطفال من التفكير النقدي والمشاركة في اتخاذ قرارات صغيرة تناسب أعمارهم، مما يعزز شعورهم بالمسؤولية وبناء الشخصية المستنيرة.
وللأسرة دور مهم في تربية وتعليم الأطفال؛ باعتبارها الحاضن الأول لهم، حيث تساعد في غرس القيم والمبادئ من خلال التواصل المستمر والحوار البناء، ومتابعة المحتوى الذي يتعرض له الطفل على وسائل الإعلام والمنصات الرقمية، ولضمان توافقه مع القيم الثقافية والاجتماعية، وأيضًا الاهتمام بكيفية تعبيرهم عن مشاعرهم بشكل صحي، مما يعزز لديهم الثقة بأنفسهم ويجعلهم قادرين علي تحمل المسؤولية.
ونؤكد علي أهمية مرحلة الطفولة وما يرتبط بها من إكساب وتنمية السلوكيات الإيجابية والهوية الوطنية والقومية وارتباطها القوي بالجانب الوجداني، وهذا يتطلب تضافر كافة الجهود، لتكوين جيل واعٍ، مدرك لهويته، وقادر على مواجهة التحديات الفكرية من خلال إنتاج محتوى محلي يعكس القيم الثقافية ويدعم التفكير الإيجابي، وهذا يساعد في إعداد جيل يحمل رؤية ثاقبة سليمة وواعية وتشكيل الوجدان ليصبح قادرًا إيجابيًا في تصرفاته يمتلك ماهية الولاء والانتماء والمواطنة الصالحة، ويشارك في رسم ملامح مستقبله، وثم من يغدوا واعين ومسؤولين ومؤثرين في محيطهم الاجتماعي والثقافي، يتمكنون من أن يوظفوا ما لديهم من طاقات وينمو ما لديهم من مهارات، ويواجهوا كافة التحديات في ظل عصر به العديد من الأدوات التقنية ومنابع المعرفية والتي يتوجب أن تُستخدم في كل ما هو نافع وصائب وتُوظَّف في بناء مجتمع متماسك ومنتج.