# من أول السطر
يقولون دائما “لا تلعن الأزمات، ربما تمدحها لأنها هي من كشفت معادن الأشخاص من حولك”!.
وفي وقت المحن والنكبات الحياد أو التملص من الانتماء والولاء للوطن والمزايدة علي أدبياته ومبادئه وقيمه خيانة عظمي وعار وخزي سيظل يلاحق صاحبه إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها..
وكأن التاريخ يعيد نفسه ،ففي وقت الشدائد تتكشف أحوال الخارجين عن الجماعة والمخلفين عن الركب والمنافقين..وقد رصد التاريخ أحداثا ومحطات مهمة ونماذج لهؤلاء المتخاذلين ،كما ترك آثارا ودروسا ورسائل لمن اراد أن يقرأ ويتدبر ،ويأخذ حذره من هؤلاء المرجفين.
ولعل نموذج المنافق عبدالله ابن سلول قد جسد اصل حكاية المرض البشري العضال في صراع السلطة والمال والنفعية والنفوذ،كما شخص آفات ونقائص البشر من الألف إلى الياء!.
وعبد الله بن أبي ابن سلول شخصية من شخصيات يثرب أو المدينة، وأحد قادة قييلة “الخزرج”، ووفقا لما ورد في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان شخصيةً معاديةً للدين الإسلامي مهادنة ظاهريا، مثل العديد من شخوص هذا الزمن، ولذا لقبه المسلمون بكبير المنافقين!.
وكانت البداية قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانت يثرب تعيش توتراً بين قبيلتي الأوس والخزرج، ما إن تهدأ ثائرته قليلاً حتى يعود للاشتعال مرّة أخرى، وانتهى الصراع على اتفاقٍ بين الفريقين يقضي بنبذ الخلاف وتنصيب “ابن سلول” حاكماً على المدينة.
ومع دخول الإسلام إلى المدينة، واجتماعهم حول راية النبي صلى الله عليه وسلم، انتهت الفكرة وذهبت طموحات “ابن سلول” أدراج الرياح ، وصارت نظرته لهذا الدين تقوم على أساس أنه قد حرمه من الملك والسلطان، وتحقيق طموحاته، ومن ثم أضمر عداوته للإسلام حتي فضح أمره لكن رحمة وإنسانية النبي الكريم أنقذته من هدر دمه رغم اقترفه من آثام وجرائم.
وقد خاض “ابن سلول” صراعا علنيا في قليل من الأحيان وسريا في أحيانٍ كثيرة مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته في محاولة منه للسيطرة على مقاليد الأمور في المدينة.
وذكر المؤرخون الكثير من المواقف المعادية للإسلام منها:
ـ موقفه في غزوة أحد حيث تمرَّدَ عبدُ اللهِ بن أُبي ابن سلول، وأشعل فتنة في صفوف المسلمين، فانسحب بنحو ثلث الجيش “ثلاثمائة مقاتل” قائِلاً: ما ندري علام نقتلُ أنفسَنَا؟ وحجته في ذلك بأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم تَرَكَ رأيه، وأطاعَ غيرَهُ!.
ـ وأيضا في غزوة “بني المصطلق” في 2 شعبان سنة 6 هـ عند منطقة تعرف بماء “المريسيع” ينقل عنه قوله عندما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه من غزوة بني المصطلق قوله :”والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل”، وكان ابن سلول يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم ولما علم ابنه عبدالله بما قال ذهب إلى النبي وقال: “يا رسول الله قد علمت المدينة أنه لا يوجد أحد أبر لأبيه مني فإن تريد قتله فأمرني أنا فإني لا أصبر على قاتل أبي”. وعندما دخل الجيش المدينة بعد العودة من غزوة “بنو المصطلق” تقدم عبدالله ابن سلول الجيش ووقف بسيفه على مدخل المدينة والكلُ مندهشا من صنيعه حتى إذا قدم أبوه داخلاً المدينة أشهر السيف في وجه أبيه وقال “والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله”.
وقال بن سلول أيضاً كما جاء في القرآن الكريم: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا}، أي: امنعوا الأموال عنه وعن أصحابه، لا تعطوه زكاة ولا غيرها، فيضطر الناس للانفضاض عنه، والأعراب الذين يأتون للمال لا يأتون، فلما سمع بذلك عمر، قال: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه.. لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه). وأسماه الصحابة بـ “رأس النفاق”.
وقد تحدث القرآن الكريم في مواضع عديدة عن أحوال المنافقين والمارقين عن الصف وعن الإجماع محذرا من عواقب فتنتهم وسوء عاقبتهم في الدنيا والآخرة يقول تعالى:( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا). النساء 88.
وقال جل شأنه: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) المنافقون 8،7.
وهكذا كان حال المنافقين والمشككين وبين ظهرانيهم الرسول الكريم بخلقه وعدله وترفقه ،فلا عجب أن نراهم في هذا الزمان يسيرون عكس التيار ويسعون لبث روح القنوط والانهزامية والاستسلام.
والعجيب أنه ،ورغم مواقف مصر القوية الحاسمة تجاه مخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية وإضعاف الكيانات العربية نجد هؤلاء المرجفين يشنون حملات خبيثة لتشويه سمعة أرض الكنانة والتقليل من شأنها ودورها قادة وشعبا وجيشا ويشككون في قدرتها علي إدارة الأزمة وحماية حقوق الشعب الفلسطيني ،والخروج من هذا المأزق لبر الأمان.
وأتصور أنه قد آن الأوان لفضح هؤلاء ومحاصرة أفكارهم الهدامة ومنطقهم المتقيح ،انطلاقا من طبيعة المرحلة الوجودية التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية، والتي تتطلب المزيد من التكاتف والتلاحم وتنقية الصفوف من هذه القناعات الفاسدة وهذا الخبث والعطب الفكري اللعين.!
وفي معركة إيقاظ الوعي وحفز الههم وتعزيز إرادة الصمود في وجه مخططات إفساد اللحمة العربية يخوض الشرفاء حربا ضروسا لمواجهة أراجيف المنافقين والمنتفعين ،ومعدومي الوطنية والضمير الذي ارتدوا ثياب “ابن سلول” المنافق الأعظم ولكن في صور عصرية سخرت تقنيات ومفرزات العصر الرقمي وخوارزمياته المتحيزة ،وهي معركة لا تقل ضراوتها عن حروب الطائرات والدبابات والمدافع!.
ووسط هذه المتغيرات المتلاحقة وتطورات الأحداث ستبقي مصر قوية ضد تقلبات الزمن وفي قلب كل حدث انطلاقا من دورها المحوري التاريخي،والذي أعاد تشكيل خريطة التوازنات العسكرية الأنسانية،حيث وقفت في وجه الهجمات البربرية والإمبريالية والاستيطانية التي استهدفت تغيير خريطة العالم عبر مراحل التاريخ المختلفة، وخاضت حروبا في عصرها الحديث انحيازا للحق العربي وللحرية ولدعم حركات الإستقلال في مختلف دول العالم.
وهو قدر أرض الكنانة وأبنائها وجنودها الذين هم في رباط إلي أن تقوم الساعة كما وصفهم نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم : (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيراً، فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبو بكر: ولم يارسول الله؟ قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة).
وكما هو قدرها الصمود والنضال اللامحدود والوقوف في وجه المعتدين والباغين الذين يضمرون العداوة والبغضاء ويتأبطون شرا بمقدرات الأمة العربية والإسلامية وهويتها وقيمها.
إن قدر مصر الآن في هذا اللحظة الفارقة لجم أفواه المرجفين وفضح حججهم الفاسدة ودرء فتنهم ومكائدهم المستمرة وكبح جماح إطروحاتهم ومقترحاتهم التي تخدم في المقام الأول أعداء الأمة وتضعهم في قائمة الخونة والعملاء، فهم لا يألون جهدا مستمرا عبر منصات أبواق العصر الرقمي لتسميم الأجواء وإفساد الوجدان العربي وتثبيط الإرادة وغرس الفتنة والإسهام بقصد أو بجهل في تنفيذ مخططات التقسيم والتفتيت وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط،وهو ما ترفضه مصر قيادة وشعبا،وما تزال الحصن المنيع الداعم للحق الفلسطيني ومصدر العزة والشرف لكل عربي حر.
و(الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) صدق الله العظيم. يوسف 21.
*