ربما لايعلم الكثيرون أن هواية المشى التى ظل يمارسها أستاذنا نجيب محفوظ حتى أقعدته الظروف الصحية، نتيجة تأثره بمحاولة اغتياله.. هذه الهواية كانت الرياضة الوحيدة الممكنة التى ظل نجيب محفوظ حريصًا عليها، يخرج من بيته فى العجوزة كل صباح، يسير بجانب النيل الذى أحبه، وتمنى الإقامة فى بيت يطل عليه، وتصور – لما تقاضت شركة مقاولات مااستطاع ادخاره – وهو قليل – لتشيد له بيتًا على النيل، ثم فوجئ أن الشركة كانت بداية لشركات الاستثمار النصابة مثل الريان والسعد وغيرها.. وقنع محفوظ – لتحقيق حلم حياته – بالسكنى فى شقة بالطابق الأرضي من بناية تطل على النيل، هي الشقة التي ظل يسكن فيها مع زوجته وابنتيه! فضلًا عن مرض السكر الذي أصبح – من يومها – ضيفًا ثقيلًا على جسمه!
كان مشوار نجيب محفوظ اليومي من بيته فى العجوزة إلى قصر عائشة فهمى بالزمالك، ثم إلى مبنى مؤسسة الأهرام بعد أن أصبح واحدًا من كتابه
وإذا كانت رياضة المشى هي آخر ما مارسه محفوظ من الرياضة ، فإن رياضته الأولى هي كرة القدم.
أحب الشاب نجيب محفوظ عبد العزيز الباشا، أم كلثوم وعبد الوهاب من المطربين، ومختار التتشمن لاعبى الكرة. وإذا كان حبه للفن قد دفعه إلى محاولة تعلم العزف على القانون، فإن حبه لكرة القدم دفعه إلى ممارستها في شوارع العباسية. لعب مع أصدقائه من أبناء الحي، وظل – بعد اعتزاله الكروي! – متابعًا لمباريات كرة القدم، وإن اختص بتشجيعه ناديًا بالذات، هو المختلط أيام زمان، الزمالك الآن!
لم يذكر نجيب محفوظ سبب تشجيعه للزمالك. قد يشجع المرء ناديًا لأنه يمثل المدينة الموطن، مثل الإسماعيلى والاتحاد السكندرى والمنصورة والمصرى والمنيا وأسوان إلخ.. وقد يكون الباعث إعجابًا بأحد لاعبى النادى، بل إن المرء قد يبدأ التشجيع مسايرة لبعض أفراد أسرته، أو مجاملة لبعض أصدقائه، ثم ينتهى به الحال إلى مانسميه هوس التعصب!
ولأن أستاذنا محفوظ لم يعرف عنه التطرف في كتاباته وآرائه، فهو كذلك لم يعرف التعصب في تشجيعه للكرة. نعم حبه للزمالك، لكن على لاعبيه أن يستحقوا هذا الحب بجمال الأداء وقوته.
وكان لنجيب محفوظ رأيه في ندرة النجوم في أيامنا الحالية، بالقياس إلى أجيال مضت. اختفت ظاهرة النجم الفرد، وحلت الجماعية بدلًا منها. كنا نجد فى التتش تعبيرًا عن جيل بأكمله من لاعبى الكرة، والضظوي تعبيرًا عن جيل، وحمادة إمام تعبيرًا عن جيل، وتعرفنا إلى النجم الفرد – أدبيًا- في طه حسين والعقاد والحكيم ومحفوظ وإدريس وعبد الصبور، وإلى النجم الفرد – غنائيًا- في أم كلثوم وعبد الوهاب، ثم عبد الحليم حافظ.. لكن تلك الظاهرة أخذت – منذ فترة – طريقها إلى الإختفاء. يطالعنا الآن الفريق أو التيار أو الجماعة، فثمة أدباء الستينات الذين يصعب أن يلتف حول اسم واحد من أبنائه رأي عام موحد مثلما كان الحال بالنسبة لنجوم الأجيال السابقة. وثمة مطربو الموجة الشبابية الذين تختلف الآراء بشدة حول أجدرهم بالنجومية، وثمة اللاعبون المتميزون في فرق الكرة – ومنها فريق الزمالك – لكن الجماعية تظل هي السمة الأهم لكل فريق. نحن الآن – والكلام لأستاذنا محفوظ – في عصر التخطيط والتكتيك وجماعية الأداء. حتى عادل إمام الذييعتبره الكثيرون نجمًا متفردًا، زعيمًا، يملي عليه تواضعه القول إن نجوميته تتحقق من خلال الفريق، من خلال إجادة أبطال الفرقة المسرحية أو الفيلم السينمائي، ومدى التزامهم بالنص وتعليمات المخرج!
كان نجيب محفوظ يتابع مباريات الكرة بالأسلوب نفسه الذي يتابع به الأحداث السياسية والثقافية والاجتماعية. زاد ثقل سمعه، وضعف بصره إلى حد كبير، وتخلى حتى عن هواية المشى التي كان يمارسها قبل محاولة اغتياله، لكنه حرص على السير داخل الشقة، مكتفيًا بما ينقله له آل بيته وأصدقاؤه من تطورات الأحداث.
السحار ورفض السيطرة
وإذا كان عبد الحميد السحار قد اكتسب في الإدارة والاقتصاد شهرة لا تقل عن شهرته في المجال الأدبى، فإن كرة القدم ظلت معشوقة السحار لاعبًا ومشجعًا منذ مباريات الشارع في حي العباسية مع نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهما من صبية الحي الذين اتجهوا إلى مجالات تناسوا فيها لعب الكرة، وإن ظلوا على حبهم للساحرة المستديرة، يحرصون على متابعة مبارياتها، سواء في الملعب، أو عبر تعليق محمود بدر الدين في الإذاعة، ومن بعده – على شاشة التليفزيون – محمد لطيف وحسين مدكور وعلى زيور والجويني إلى أحدث الأصوات المعلقة.
خط الوسط كان هو الموضع الذي فضله السحار في مباريات العباسية، بينما اختار محفوظ مركز المدافع، وعلى الرغم من أن السحار تزامل مع حسن عامر رئيس نادى الزمالك الأسبق، فإنه ظل على تشجيعه لنادي الترسانة، وربما أولى بعض تشجيعه لنادي الاتحاد السكندري.
السبب الذي أرجع إليه السحار تشجيعه للترسانة أن قاعدته العريضة من العمال وأبناء الطبقة الوسطى، وهو ما قد يختلف عن القطبين الكبيرين الأهلي والزمالك، وكان يردد تسمية الناقد الراحل نجيب المستكاوي للاعبي الناديين: العتاويل والعناتيل بمعنى السيطرة على الساحة الكروية، وهو ما أدي – في تقديره – إلى شحوب فرص الأندية الأخرى، بما فيها الأندية الشعبية، فى المنافسة، وتحول الدوري الممتاز إلى دوري للأهلي والزمالك، وآخر لبقية الأندية.
محاولة لإثبات الذات!
أما الكاتب والمترجم اللواء محمد فرج، فقد اشتهر بتسمية فرج الوحش. ترجم لأبو الكلام آزاد كتابه عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، كما ترجم لستيفان زفايج كتابه ” البناة العظام” عن أكبر مبدعي الرواية في العالم، بالإضافة إلى ترجمات أخرى دينية وأدبية.
تسمية الوحش اكتسبها محمد فرج من موضع قلب الدفاع في فرق الأشبال بالأندية الكبرى، قبل أن يأخذه العمل الإداري كعضو في اللجنة التى شكلتها حكومة الوفد في 1950 للبحث عن حقيقة فساد أسلحة الجيش المصري في حرب 1948، وهي اللجنة التي حفزت على تـأليفها مقالات إحسان عبد القدوس في ” روز اليوسف” تتهم محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء آنذاك، والملك الراحل فاروق بشراء أسلحة من دول الغرب، ثبت فسادها حين استعملت في معارك الحرب الفلسطينية بين الجيوش العربية والعصابات الصهيونية.
الطريف والغريب أن اللجنة توصلت إلى أن الفساد لم يكن في الأسلحة المشتراة من دول الغرب، وإنما لاستخدام أسلحة وذخائر من بقايا معارك الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية.
كان محمد فرج يدافع عن تسمية الوحش باعترافه أنه كان يمنع هجوم الخصم من التسجيل، بصرف النظر عن الوسيلة، ووجد امتداده في مدافع الاتحاد السكندري ” بوبو” الذي لم يكن يكتفي برد الكرة، بل كان يهدد من يحاول الاقتراب من المرمى الذي يدافع عنه، وهو ما تحدث عنه لاعبون كبار مثل محمود الخطيب وحسن الشاذلي ومصطفى رياض وحسن شحاتة.
وعلى حد تعبير محمد فرج، فإن العنف غير مطلوب، لكن كرة القدم لعبة رجولة، لذلك أحببت كل اللاعبين الذين وجدوا في كرة القدم محاولة للتفوق وتحقيق الذات!